رئيس التحرير
عصام كامل

"بلاك بلوك" وغيرها


من أبرز ظواهر الأحداث الدامية التى تفجرت منذ يوم 25 يناير فى مناسبة مرور عامين على ثورة 25 يناير 2011، ظهور جماعات اليسار المدنى المتطرف، ردًّا على جماعات اليمين الدينى المتطرف، ولست أظن أن خروج هذه الجماعات المتشحة بالسواد إلى العلن تحت أسماء مثيرة مثل "بلاك بلوك" أى: الكتلة السوداء، والـ"بلاك ماسك"، أى: القناع الأسود، هى جماعات قررت اعتماد تكنيك الفوضى ردًّا على «حازمون» للفوضى وغيرها من الجماعات التى هددت المجتمع فى الآونة الأخيرة.

وأظن أن الحصار الغبى البغيض الذى سمح به وغض الطرف عنه الحزب الحاكم والرئيس الحاكم حول المحكمة الدستورية العليا، فضلا عن منع قضاة المحكمة من مباشرة مهامهم الدستورية، ناهيك عن خطاب الترويع والتهديد المتصل من وجوه منفرة تلمح وربما تصرح بأن رقاب المصريين صارت للنحر والجز مستباحة، ما لم يرتدع الليبراليون الكفار والعلمانيون الأشرار والماركسيون الفوضويون، هذا كله هو الأب الشرعى لإفراز جماعات اتخذت المنهج ذاته سلاحًا.. وهكذا فوجئ المصريون بجماعات السواد المتوثبة.  
ولفت أنظارهم بصفة خاصة إعلانهم أنهم هم الفوضى التى جاءت لمنع الفوضى، كما قالوا إنهم ليسوا ضد الجيش ولا ضد الشرطة، هم القوة التى ستواجه الإخوان.. وإذا كان هناك حازمون وتكفيريون وجهاديون وقاعدة.. فإن هؤلاء الشباب بالسمت الذى اتخذوه.. الزى الأسود فى الأسود، والهيئة الرياضية، والتحفز القتالى، والروح المشاغبة.. قد وضعوا أنفسهم فى مواجهة قادمة لا محالة، يدفع المجتمع ثمنًا فادحًا لها، وستكون المواجهة مع جماعات سرية معلنة الآن ومسلحة ومدربة هنا وفى الخارج، لقد كشفت الكتلة السوداء عن انتشار واضح فى الإسكندرية وفى القاهرة، بل فى الشرقية بلد الرئيس، إن العنف ينجب العنف.. والإرهاب هو أبو الإرهاب وأمه وأسلافه.
"بلاك بلوك" وجه من وجوه الأناركية، أى الفوضوية، وهى تنظيم عالمى منتشر فى مناطق الفقر والاستبداد، كما هو منتشر فى الدول الغنية، استخدمت المنظمة أول تكتيكاتها عام 1989 ضد وزارة الدفاع الأمريكية، كذلك فى يوم الأرض عام 90، فضلا عن المظاهرات المناهضة لحرب الخليج عام91، وفى عام 2010 فى قمة مجموعة العشرين حطمت المنظمة الفوضوية سلسلة محال ومقاهى ومطاعم منها ستاربكس وأديداس ومصارف، كما قاموا بشن هجمات فى لندن عام 2011.
ما كان أغنانا عن هذا الهم الجديد لو التزم اليمين الدينى المتطرف بالأدب الدينى وبسماحة الإسلام وبأخلاق النبى.. وبالعمل الدعوى الصرف، بدلا من تشويه وتلويث طهارة الدين بقذارة السياسة والأكاذيب.
ثورة 25 يناير الجديدة هى الباب الواسع الذى انفتح على مصر أخرى.. والمذهل أنه تبين للجميع أن هذا البلد توجد منه نسخة أخرى غريبة تحت أرضه، مصر شعبان؛ واحد كنا نعرفه والثانى لا نعرفه، إنما هو طفح اجتماعى يحتاج دراسة واستيعابًا..ونحن محتاجون لصبر الملائكة.

الجريدة الرسمية