مشاركة المواطنين في الانتخابات أهم مكاسب ثورة 25 يناير.. تدخل الإسلاميين بـ"غزوة الصناديق" أفسد حلم المصريين.. إقبال غير مسبوق على انتخابات برلمان 2012.. استفتاء دستور 2014 غابت عنه البلطجة والطائفية
تمخضت ثورة 25 يناير فأنجبت استفتاءين وانتخابات رئاسية وأخرى برلمانية، وباتت هذه الثورة بمثابة «باب الفرج للانتخابات»، فبعد أكثر من 30 عامًا من العزوف عن المشاركة السياسية وعدم التوجه إلى لجان الانتخابات أو الاستفتاءات، تحول شعار المصريين من «كبر مخك» إلى «صوتك أمانة».
وما بين طوابير من المتظاهرين احتضنتها ميادين المحافظات في 25 يناير إلى طوابير من الناخبين في أول استفتاء بعد الثورة، وهو الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي وضعها المجلس العسكري السابق على دستور 1971 في 19 مارس 2011، وفى هذا اليوم كان المشهد مختلفًا للغاية، بداية من تسجيل «السيدات والأقباط» حضورًا كبيرًا وملحوظًا.
مشهد جسدته وكالات الأنباء وأفردت له مساحات واسعة، لكن سرعان ما تدخل الإسلاميون بغزوة الصناديق ليفسدوا لوحة حلم يرسمه المصريون، فمنذ صباح يوم 19 مارس اصطف الناخبون والناخبات أمام لجان الاستفتاء، ودُعى قرابة 45 مليون ناخب للإدلاء بأصواتهم، وبلغ من ذهبوا إلى اللجان 18 مليونا و537 ألفًا و954 ناخبًا، أي بنسبة 41.2%، إذ كان التحدى الأكبر لدى الجميع إثبات «نكون أو لا نكون» أمام العالم في أول استحقاق انتخابى للمصريين بعد الثورة.
وبالفعل تمت الموافقة على التعديلات الدستورية، بعد «معركة دينية» خاضها الإسلاميون قبل الاستفتاء، فكان التصويت بـ«نعم» طاعة لله ورسوله، تلك المعركة التي جسدها الشيخ السلفى محمد حسين يعقوب في أربع كلمات: «وقالت الصناديق للدين نعم»!.
مرت الأيام سريعا، وجاء الدور على «برلمان الثورة» لتبدأ انتخابات مجلس الشعب على ثلاث مراحل بدأت في 28 نوفمبر 2011 وحتى 11 يناير 2012، وكان من أبرز ما منحه قانون انتخابات البرلمان احتضانه للطيور المصرية المهاجرة ومنحه المصريين بالخارج حق التصويت، حتى وإن كانت نسبة تصويتهم محدودة.
ومنذ اليوم الأول للانتخابات كان الإقبال غير المسبوق على التصويت سيد الموقف، بل وبمعدلات قياسية لم تعرف مصر مثيلًا لها في تاريخها السياسي الحديث، وساهم الطابع السلمى في سير العملية الانتخابية بنجاح دون تأجيل أو إلغاء.
ولعل أهمية هذه الانتخابات كانت نابعة من أن مجلسى الشعب والشورى المنتخبين سيقومان باختيار لجنة تأسيسية من 100 عضو لكتابة دستور جديد للبلاد، وفقًا لما جاء بالإعلان الدستوري، واستقر الأمر على نظام للانتخاب تكون للقوائم فيه نسبة الثلثين والفردى الثلث.
ودخل حزبا الحرية والعدالة والوفد و11 حزبًا أخرى منها الناصرى والليبرالى في تحالف تحت اسم التحالف الديمقراطي، وكذلك الكتلة المصرية وضم ليبراليين ويساريين، ثم الكتلة الإسلامية ويشمل الأحزاب الإسلامية، وأخيرًا تحالف الثورة مستمرة واحتضن الأحزاب الناشئة حديثًا بعد الثورة.
لكن 25 يناير التي أطاحت بـ«مبارك» لم تتمكن من الإطاحة بـكوارث الانتخابية البرلمانية المعتادة منذ عهد الحزب الوطنى المنحل، فحول التيار الإسلامى كعادته الدعاية الانتخابات إلى جهاد، ولا مانع من الرشاوى الانتخابية، فتبنى الإخوان الزيت والسكر، بينما تعهد السلفيون بتوزيع أسطوانات البوتاجاز لحل الأزمة.
وفى برلمان سيطرت عليه «الدقون» - 43.7% لحزب الحرية والعدالة، 22% للنور، والنسبة المتبقية موزعة على الليبراليين واليساريين - كانت الجلسات حافلة بمشاهد لم يعتدها المصريون كـ«رفع الأذان داخل قاعة المجلس.. والقسم الدستورى بـ(ما لا يخالف شرع الله)»، وانتهى الأمر بحل البرلمان كاملا في 14 يونيو 2012.
أما مجلس الشورى فكان العزوف عن المشاركة هو شعار مرحلتيه بداية من 29 يناير وحتى 22 فبراير 2012، ولم يتجاوز عدد المشاركين فيه ٦ ملايين ناخب معظمهم من أبناء التيار الإسلامي، وهى النسبة التي ترجمت استحواذ حزب الحرية والعدالة على 105 مقاعد، وحزب النور 45 مقعدًا، ثم الوفد والكتلة المصرية وباقى الأحزاب مجتمعة 30 حزبًا.
وفيما يشبه السيرك الرئاسي، انطلق مهرجان الرئاسة للجميع وتقدم كثيرون وكثيرون للانتخابات قبل أن تقتصر القائمة على 13 مرشحًا، ثم تنحصر المنافسة الحقيقية بين محمد مرسي، وأحمد شفيق، وحمدين صباحي، وعبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى، وتبدأ الانتخابات في 17 مايو 2012 للمصريين في الخارج، وعلى مدى 7 أيام صوتوا بمقر السفارات والقنصليات المصرية، وبلغ العدد الإجمالى الذين سجلوا أسماءهم للمشاركة في الانتخابات الرئاسية 587 ألف مصرى بالخارج.
وفى الداخل، احتشد الناخبون يومى 23 و24 مايو أمام أبواب الاقتراع، ولأول مرة شعر المصريون بأنهم يستطيعون اختيار رئيسهم، وربما يفسر ذلك عدم حسم المنافسة من جولتها الأولى، ولتبدأ جولة الإعادة يومى 16و17 يونيو بمشاركة ٢٥ مليون ناخب من أصل 50 مليونًا.
بينما شهدت هذه الجولة «الثانية» مقاطعة عدد من الثوار الذين رفضوا إعطاء أصواتهم للمرشح الإخوانى محمد مرسي أو للفريق أحمد شفيق أحد أركان نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك وجاء مرسي رئيسًا بفارق ضئيل عن منافسه شفيق.
ومع انفجار «ماسورة الانتخابات والاستفتاءات» بعد ثورة 25 يناير، جاء الدور على استفتاء الدستور الإخوانى 2012، وتحديدًا في 25 ديسمبر 2012، ووصل إجمالى نسبة المشاركة 32.9% بشكل إجمالي، وافق منهم 63.8% على الدستور، ولم يختلف الحال كثيرًا فالأقباط والسيدات تصدروا المشهد بقوة كالعادة، وواصل التيار الإسلامى رفع «راية الجهاد للتصويت بـ(نعم)»، أمام خصمه «المدني» المتمسك بالتصويت بـ(لا).
هذا الاستفتاء كان شاهدًا على عودة صريحة لأيام انتخابات «مبارك»، بداية من كسر الصمت الانتخابي، والورقة الدوارة، والطوابير الوهمية، توزيع الزيت والسكر، وأمام ذلك لم يتمكن الكثيرون من الإدلاء بصوتهم في الاستفتاء بعد شعور أبناء «لا» بالإحباط، ويتم تمرير دستور الإخوان.
سريعًا تغير الحال وتبنى ملايين المصريين ثورة 30 يونيو وأسقطوا الإخوان والرئيس السابق محمد مرسي، ليتم وضع خارطة مستقبل كان أول ثمارها الثلاثاء والأربعاء «14 و15 يناير الجاري»، باستفتاء على دستور 2014، ليستقبله الناخبون بحلقات متواصلة من الرقص والزغاريد، غابت عنها مشاهد الطائفية والبلطجة، بل مشاركة نسائية تاريخية، لتصل نسبة التصويت بـ(نعم)، إلى الـ98.1%.