رئيس التحرير
عصام كامل

حوار بلا محاورين


كانت الأيام القليلة الماضية موسم الدعوة إلى حوار بين أطراف الأزمة السياسية المستحكمة فى مصر دون أن تتحول هذه الدعوة إلى حقيقة ماثلة على مائدة للحوار.

الأزمة المستحكمة التى يواجهها الحكم الإخوانى كانت الدافع وراء النداء على الحوار دون شروط مسبقة وهى دعوة رأى فيها الطرف الآخر تضييعاً للوقت والجهد أو دعوة إلى مكلمة يجرى فيها التقاط بعض الصور خاصة إذا جرى الاستجابة لها دون ضمانات.
ولا شك أن الخاسر الأكبر هو مصر وشعبها واقتصادها المتدهور ولا شك أن هذه الأشياء وغيرها هى مسئولية الحكم الذى يتعين عليه أن يتخذ كل ما يلزم من إجراءات لمنع المزيد من التدهور وآخر هذه الإجراءات بكل تأكيد وليس أولها هى فرض حالة الطوارئ والزج بمزيد من القوات إلى الشوارع وهو ما لا يحتاج لا إلى حوار ولا محاورين.
عندما يعلن الحزب الوطنى الإخوانى الحاكم عن استعداده لبحث تعديل بعض مواد الدستور فمن البديهى أنه يقر بضرورة إعادة النظر فى هذا الدستور المشئوم إما جملة أو تفصيلًا ولا نعتقد أن ثمة صعوبة أو استحالة فى أن يكلف رئيس الجمهورية رئيس مجلس الشورى بتشكيل لجنة متوافق عليها للقيام بهذه المهمة وهو أمر سيسهم بالتأكيد فى تبريد الأوضاع والدفع بعجلة الحوار خطوة نحو الأمام.
لا معنى إذا لإصرار الرئاسة على اعتبار الحوار أو إجلاس قادة المعارضة على مائدة يتصدرها هو وتصويرهم ثم إطلاق تصريحات وردية من أن الرئيس استمع لمطالب المعارضة وأنه يفكر ويدرس ويتأمل هذه المطالب المعلومة للقاصى والدانى إلى آخر هذا المشهد المكرر والممل الذى لا يعنى إلا المزيد من كسب الوقت ريثما يتم تزوير البرلمان القادم ليضاف المزيد من العقد والشروط والمظاهرات والاعتصامات قبل أن يقع القدر المحتوم.
الحديث عن مخططات لتفكيك مصر وإسقاطها يغذيه دفع الجماعة الحاكمة لمزيد من التعنت ورفض تقديم حلول فورية وعاجلة وصولا للتأزيم الكامل والإجهاز على كل الفرص والحلول لم يعد خافياً على أحد ومن ثم فمسئولية إنقاذ مصر تقع أولا على عاتق من يجلس فى موقع المسئولية قبل المعارضة.
الدعوة للحوار ليست هى الحل فى هذه المرحلة فالمطلوب اتخاذ إجراءات سياسية عاجلة لتبريد الوضع وقطع السبيل على المتآمرين أو الطرف الثالث الذى لا يعلن عن وجوده ولا شروطه لكنه يسعى لإقناع كل طرف بالتشبث بمواقفه وطبعا فالطرف الأهم فى معادلة التشبث هو الحكم وليس المعارضة.
الحديث عن مؤامرة تنفذها المعارضة ضد حكومة بريئة لم تقدم سوى الخير للجميع هو كلام غير عاقل ولا مسئول بعد أن كشف الحكم الإخوانى خاصة فى إعلانه اللا دستورى عن طبيعته التسلطية التى ترى فى الآخرين مجرد رعايا أو أتباع يتعين عليهم السمع والطاعة والإذعان.
فى حال تصرف الحكم الإخوانى بهذه الطريقة وهو أمر مستبعد من وجهة نظرنا سيكون الحوار مطلوبا لبحث السبل الكفيلة بمنع تكرار الصدام المجتمعى مرة أخرى ولا نعنى به مصادمات التحرير أو غيرها من التفاصيل فضلا عن وضع تصور ينظم العلاقة بين الحكم والمعارضة وليس بين الحكم وأحزابه الرديفة أو تلك الكرتونية التى يجلس معها الرئيس كلما احتاج للظهور فى وسائل الإعلام فى صورة المحاور حمامة السلام فى الفترة المقبلة وهو ما نستبعد حصوله خاصة أن أدمغة قادة الجماعة ربما لا تزال حامية أو تظن وبعض الظن إثم أن توازن السياسة الدولية ما زال يعمل لصالحهم وهو الهراء والخرف العقلى بعينه.
الخطوة الأولى لإنقاذ مصر ومن ثم جماعة الإخوان من نفس المصير الذى لقيه مبارك وحزبه هو الإقرار بأن المتغطى بأمريكا والغرب أو بالكامب ديفيد عريان وأن أى تصريحات داعمة للجماعة لا تعنى سوى شيء واحد هو دفع الجماعة ومعها مصر نحو الغرق النهائى فى بحر الظلمات.
أفيقوا أيها الواهمون.

الجريدة الرسمية