رئيس التحرير
عصام كامل

باحث بمعهد واشنطن: المؤسسة العسكرية لا تتدخل في قرارات "الببلاوي".. رئيس الحكومة ووزيرا التعاون الدولي والخارجية يمثلون معسكر الليبراليين.. وزراء الداخلية والطيران والإسكان يدعمون الخيارات الأمنية

الباحث بمعهد واشنطن
الباحث بمعهد واشنطن للدارسات، عادل العدوي

أعرب الباحث بمعهد واشنطن للدارسات، عادل العدوي، عن اعتقاده بأن التصويت الكاسح بـ "نعم" على الاستفتاء على الدستور المصري المدعوم من الجيش، استنادًا إلى نسبة إقبال محترمة تبلغ نحو 40 في المائة، دفع بعض المراقبين للاستنتاج بأن الجيش وحده هو الذي يدير الحياة السياسية في مصر في الوقت الراهن.

واستطرد العدوي في تحليل للأوضاع في مصر بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء نشره الموقع الرسمي للمعهد، "الجيش لا يزال الركيزة الأساسية لجميع مؤسسات الدولة وسط الاضطرابات المستمرة، لكنه ليس صانع القرار الوحيد". 

وجاء في التحليل، أنه منذ الثورة التي أطاحت بالرئيس مرسي في 30 يونيو، اتخذ فاعلون آخرون - إلى جانب الجيش - قرارات سياسية كبرى مثل تعيينات مجلس الوزراء وتشكيل لجنة الدستور المكونة من خمسين عضوًا وصياغة الدستور الجديد نفسه، وتميز عهد ما بعد مبارك بظهور مراكز قوة عديدة لا تزال تؤثر على المسار السياسي في البلاد، حسبما ذكر العدوي في تحليله بالمعهد. 

وأوضح العدوي، منذ سقوط مبارك، حدث تحول نموذجي في هيكل القوة المعقد في مصر، حيث يؤثر العديد من الفاعلين الرئيسيين حاليًا على بعضهم البعض، وبطبيعة الحال يشكل الجيش إحدى الركائز الأساسية في هذا الهيكل، لكن هناك العديد من القوى المهمة الأخرى المحيطة به والتي تساعد على صياغة القرارات السياسية في الدولة، وفهم القيود على مراكز القوة المنقسمة داخليًا يشير إلى أنه لا الجيش ولا أي مؤسسة واحدة أخرى في مصر يتحمل المسئولية بمفرده.

أما مراكز القوة في مصر فيؤكد العدوي أنه من بين المجموعة القليلة من مراكز القوة الحالية في مصر، هناك بعض الفاعلين الذين هم أكثر أهمية من غيرهم، لكنهم جميعًا يؤثرون على عملية صنع القرار في القاهرة والوضع السياسي العام. ويمكن تقسيم مراكز القوة هذه إلى ثلاث فئات: مؤسسات الدولة، والسلطة التنفيذية، والفاعلين المجتمعيين من غير الدولة. 

وحدد العدوي الفئات على النحو التالي، ففي الفئة الأولى، الفاعلون الرئيسيون فيها هم مؤسسات الدولة التي تتعامل مع الأمن والاقتصاد وسيادة القانون والشئون الخارجية، وتشمل الفئة التنفيذية الرئيس وحكومته، أما فئة الفاعلين من غير الدولة فتمثل الشارع، والمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام، ومجتمع الأعمال، والأحزاب أو التنظيمات السياسية المختلفة، والمؤسسات الدينية. وكانت مراكز القوة تتغير باستمرار على مدى السنوات الثلاث الماضية، كما كانت تتوافق في بعض الأحيان مع رفقاء يتسمون بالغرابة.

أما مراكز القوة في 30 يونيو، حسبما يقول العدوي، كانت متحدة ضد حكومة «الإخوان»، وفقد الرئيس السابق مرسي السيطرة الكاملة، وقد تحولت جميع مؤسسات الدولة ومعظم الفاعلين من غير الدولة ضد مرسي، وأصيبت الشرطة والمخابرات والجيش بحالة من الإحباط بشأن عدم كفاءة الرئاسة؛ وكان مرسي يُضر بالأمن القومي من خلال تجاهله للمظالم الداخلية الخطيرة، وسماحه للجهاديين بإقامة معقل لهم في سيناء، وانتهاجه سياسة خارجية قامت بتنفير حكومات الخليج.

وقد شعرت مؤسسات الدولة المدنية بالتهميش الكامل أيضًا؛ فكان مستشار مرسي عصام الحداد هو وزير الخارجية الفعلي، الأمر الذي أثار استياء وزارة الخارجية المصرية.

ومراكز القوة بعد 30 يونيو تغير تشكيلها بشكل كبير منذ الثورة في الصيف الماضي، وفق تحليل العدوي، فلا تزال مراكز القوة الرئيسية مناهضة لـ «الإخوان»، لكن هناك معسكرين أيديولوجيين يقاتلان بعضهما البعض أيضًا: معسكر قومي ومعسكر "ليبرالي".

المعسكر الأول يفضل دولة قوية تمثلها مؤسسة أمنية وجيش قويان، بينما يعارض المعسكر الثاني فكرة لعب المؤسسة الأمنية والعسكرية دورًا كبيرًا في الحكم، وكلا المعسكرين يحظيان بتمثيل جيد في هيكل السلطة الحالي، فرئيس الوزراء حازم الببلاوي ونائبه زياد بهاء الدين ووزير الخارجية نبيل فهمي يُعتبرون جميعهم جزءًا من المعسكر "الليبرالي"، في حين يضم الفصيل القومي مسئولين مثل وزير الإسكان إبراهيم محلب ووزير الداخلية محمد إبراهيم ووزير التنمية المحلية عادل لبيب ووزير الطيران عبد العزيز فاضل.

وتنقسم وسائل الإعلام على طول خطوط مماثلة، حيث يعتبر عبد الرحيم على وعادل حمودة وتوفيق عكاشة وأحمد موسى جزءًا من المعسكر القومي، بينما يُعرف باسم يوسف ولميس الحديدي ومنى الشاذلي ومحمود سعد بأنهم في المعسكر الليبرالي. ومن بين الفاعلين من غير الدول، تعتبر حركة "تمرد" من المعسكر القومي، بينما تنتمي حركة "6 إبريل" وبعض الفصائل الاشتراكية إلى المعسكر الليبرالي.

وكان المعسكر القومي يدعم القانون بشكل كامل، بينما كان المعسكر الليبرالي أكثر ترددًا بشأنه، والنقطة الأخرى محل الخلاف هي فكرة المصالحة مع جماعة «الإخوان»، والتي يرفضها المعسكر القومي كلية، في تناقض حاد مع المعسكر الليبرالي، وقد أخفق رئيس الوزراء في جسر الفجوة بين هذين المعسكرين، الأمر الذي أفقد مجلس الوزراء فعاليته في الحكم.

ومن الناحية السياسية، تركز الحكومة على ثلاثة ملفات رئيسية في الوقت الراهن: الأمن والاقتصاد وخارطة الطريق الانتقالية- ما أكده العدوي- ورغم أن الجهاز الأمني يتعامل مع الملف الأول، إلا أن مجلس الوزراء ومكتب الرئيس لا يزالان منخرطين في جميع القرارات الأمنية الرئيسية بدرجة أو بأخرى، ويشمل ذلك فض اعتصام المحتجين من أنصار مرسي في "ميدان رابعة العدوية" و"ميدان النهضة".

ولفت الباحث في معهد واشنطن، إلى تولى مجلس الوزراء والرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور بنفسه التعامل مع الملف الاقتصادي وخارطة الطريق الانتقالية، وفي حين يشغل وزير الدفاع السيسي منصب النائب الأول بين نواب رئيس الوزراء الثلاث، إلا أنه لم يستغل منصبه للتدخل في القضايا غير الأمنية في حكومة الببلاوي. وبالتالي، فإن "السيطرة العسكرية الكاملة" ليست وصفًا دقيقًا للعملية السياسية أو عملية صنع القرارات الحالية في مصر.
الجريدة الرسمية