عندما يصبح العداء لواشنطن مشروعًا وطنيًا
آفتنا الكبرى أننا لم نصدق حتى تاريخه، أننا قد صنعنا ثورتين؛ الأولى أسقطت نظاما ديكتاتوريا، والثانية أسقطت فاشية دينية، فبعد الأولى طاف بعضنا حول البيت الأبيض ليستقرئ رضاه من غضبه بما فعلنا، ومن بين هؤلاء بعض المسئولين عن الفترة الانتقالية الأولى، ثم جاء من بعد النظام نظام -للأسف الشديد- حج إلى ذات البيت ملتمسا الوقاية وراجيا الدعم فما كان إلا أن هب الشعب فى يوم من الأيام وألقى به وبداعميه فى سلة التاريخ.
ورغم أن إسقاط الجماعة الإرهابية بنظامها الفاشى كان ضربة قاصمة، وجهها الشعب المصرى العظيم ضد البيت الذى حج إليه بعض المسئولين وبعض هؤلاء المحسوبين على الثوار، إلا أن بعضنا لا يزال يدور فى ذات الدائرة.. دائرة التبعية.. دائرة البحث عن سيد.. دائرة «التغطي» بالأمريكان الذين لم يستطعوا ستر عورة محمد مرسى ورفاقه المتورطين فى التجسس لحساب الغير.
وزاد الطين بلة وسخاما وركاما وبعض رماد معجون بماء الأباحة أن وسائل الإعلام لا تزال تتابع بقلق شديد ما يخرج عن البيت الأبيض ويخص مصر وتجربتها، وكأننا ننتظر من سكان هذا البلد الغاشم المهيمن المتغطرس الهادم لكل القيم الإنسانية أن يرانا نتحرر من قيوده ويصفق لنا، ويزداد القلق المنقول عبر إعلامنا إلى الأوساط الشعبية وما أدراك ما الأوساط الشعبية؟ .. الأوساط الشعبية هى التى أحاطت بعبد الناصر مهزوما قبل أن يكون منتصرا؛ لأنها شعرت معه بالاستقلال.
وشغلنا أنفسنا بالبيت الأبيض الذى ركّعنا أمامه لأكثر من ثلاثين عاما، وقضى على آمالنا فى التواصل مع جذورنا الحقيقية..
جذورنا فى أفريقيا.. جذورنا فى آسيا.. جذورنا العربية.. جذورنا الإسلامية وظل منفردا بقرارنا حتى أصبحنا فى عصر مبارك دمية يحركونها كيفما شاءوا، وجاء من بعد مبارك من هو أكثر انبطاحا، فقد كان مستعدا أن يوزع الوطن مثل حلاوة المولد على كل من هب ودب مقابل البقاء على خازوق الاتحادية!!
وكلما قال من بينهم قائل: إنهم قلقون على حقوق الإنسان تصارخنا وتباكينا وجرينا نشرح ونوضح ونفصل دون أن نرد فى وجوههم «اضربوا رءوسكم فى أقرب جدار» ودون أن نستشعر أن ما يحدث هو معركة فاصلة بين الركوع والإباء الوطني.. بين الخضوع والاستقلال.. بين أن نكون دولة محترمة قرارها من إرادة شعبها أو دولة هزيلة تنتظر قرار مرشد البيت الأبيض.
وبدلا من أن نستثمر تلك المعركة فى إعادة بناء اللحمة الوطنية؛ لمواجهة عدو قادم نختار دوما أن نمضى بنفس طريقة التفكير المباركى أو الإخوانى فى الخضوع والخنوع.. وما أقوله لا يعنى بالضرورة أن نختار طريق الصدام مع أمريكا ولكن إن لم يكن هناك بد من الصدام من أجل التحرر الوطني، فليس هناك طريق ثالث، فإما أن نكون أو لا نكون وقد جربنا السير رغما عنا فى طريق الاستسلام، وسوف ندفع فاتورة ذلك أقسى بكثير من ثمن حريتنا واستقلالنا أيام أن كان لنا صوت.
هل تتصورون أن دويلة مثل قطرائيل كانت لا ترى بالعين المجردة عندما كانت مصر دولة مهابة الجانب فى محيطها وفى محيط الكرة الأرضية كلها؟
هل تعتقدون أن أمريكا بجلالة قدرها كانت قادرة على التطاول علينا أو التدخل فى شئوننا، كما فعلت بعد أن صرنا لها حلفاء؟
لا لم تكن تستطيع أن تفعل لا هى ولا غيرها.. إن الطريق الوحيد الذى يجب أن نسير فيه هو دراسة أحوال كل الدول التى كانت حليفة للولايات المتحدة الأمريكية ماذا صنعت وماذا جرى لها؟.. ويكفى أن ننظر حولنا وإيران أقرب مثال.. حاصرتها واشنطن وها هى قاب قوسين أو أدنى من صناعة قنبلة ذرية، أما نحن فقد صنعنا بفضل ارتباطنا بالنموذج الأمريكى يويو بلاستيك!!