مقامات آل البيت بمصر في طي النسيان.. أبرزها أضرحة بنيامين «أخو يوسف» وأحفاد الرسول والعز بن عبد السلام ومحمد بن أبي ذر وابن سيرين.. غرقت في مياه الصرف وحاصرتها القمامة وأصبحت مأوى للثعابين
مقامات وأضرحة لآل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأولياء الله الصالحين، منسية "تناثرت في مناطق مختلفة بعضها معروف والكثير منه لا يعلمها أحد.. على طول امتدادها ورغم عددها الكبير وقيمتها الدينية والروحية وأهميتها في الجانب السياحي، إلا أن كل تلك الأضرحة غلبت سمة واحدة بها وهي، إنها غارقة في مياه الصرف الصحي وتملأ الشروخ أركانها وحيطانها، التي تتساقط وتحيط بها القمامة من كل جانب، ولم ينج إلا القليل منها مثل، أضرحة سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة.
في القاهرة، استقر بعض تلك المقامات والأضرحة حول مسجد السيدة عائشة والسيدة زينب وسيدنا الحسين والسيدة نفيسة والإمام الشافعي، والبعض الآخر في جبل المقطم وشوارع أخرى استراحت بها أجساد أهل بيت النبى والصحابة أو "أولياء الله" في انتظار نفحة من عشاق آل البيت أو زائر لم يعد يأتى، تخبرك نظرات المحيطين بكل مقام بحكاية تناقلها الأهالي، وتحدثك التفاصيل عن إهمال سنوات طويلة انتهت بمئات المقامات في مصر إلى طي النسيان.
ومن أبرز شوارع القاهرة التي تضم مقامات آل البيت، الشارع الطويل المنحدر من منطقة "الخليفة" نسبة إلى جامع دار الخليفة، تدلك اللافتة على شارع "الأشراف" كما عرفه أهل المنطقة الشعبية التي لا توحى بوجود "البركة" في مكان ما حول البيوت المتهالكة، على يمينك ويسارك تستطيع التقاط ما تعلنه اللافتات عن مقام "السيدة سكينة"، ومقام "بن سيرين" مفسر أحلام النبى، و"سيدى محمد الأنور عم السيدة نفيسة" بينما يستقر "بقيع مصر" في منتصف الشارع.
مقام السيدة رقية بنت الإمام على تخبرك اللافتة قبل دخولك للساحة المتوسطة التي يحتضنها الجبل في شارع "الأشراف"، كما تشير لافتة التعريف الموجودة بجانب مقامها المطعم بالفضة، على يمين غرفتها المغلقة دائمًا، استقرت بعض المقامات التي اكتست بوشاح أخضر وكتب عليها "مجمع أولياء" بها عدد من الصحابة.
في جولة حول الساحة المهملة "للبقيع" تستقر غرفتين بالخارج تحوى مقام السيدة "عاتكة زوجة سيدنا محمد ابن سيدنا أبى بكر الصديق"، بجانبها غرفة مقام "على محمد بن جعفر الصادق".
تشقق الجدران التي امتلأت بالثعابين، وإهمال الغرف والأسقف المتهالكة هي السمة الغالبة على "مجمع الأولياء الأكبر في مصر"، الذي لم تطله أضواء شهرة مقام "الحسين أو السيدة زينب"، فقد تركتها وزارتا الآثار والأوقاف، معرضة لخطر سقوط الجبل فوقه بين ثانية وأخرى.
لا يختلف المشهد كثيرًا في منطقة سيدنا الحسين التي تستقر في أزقتها مقامات تعيش بين أهالي المنطقة، الذين اعتادوا المرور عليها دون اهتمام يذكر، "مقام أم الغلام" الذي أغلقت أبوابه منذ زلزال 1992 في انتظار ترميم لا يأتى، درجات للأسفل تدفعك إلى غرفة صغيرة يستقر بها جسد "أم الغلام" التي حملت رأس الحسين ودفنتها في مصر.
شوارع ضيقة لا تبعد كثيرًا عن مقام "أم الغلام" هي ما تفصله عن مقامات أخرى لا يعرفها أحد، تحتاج للكثير من الأسئلة والوصفات المعقدة لدخولها لتجدها خاوية تراكم حولها التراب وتركت معالمها لتشير إلى نسيان أمرها بالكامل، "مقام سيدى مرزوق الأحمدى" شيخ الطريقة الأحمدية بشارع قصر الشوق، الذي يعود تاريخه إلى 3 آلاف عام مضت، ومقام "تتر حجازية" السيدة صاحبة مدرسة تعليم الطريقة المالكية والشافعية بحى الجمالية، وهو المقام الذي ترك مهجورًا على الرغم من اعتباره أثرا لا يعرف أهميته سوى من يقرأ سيرة المكان الذي تحول لملجأ مفتوح لكل من هب ودب.
"سيدى أحمد الدرديرى بشارع الغورية"، "مقام بن يامين أخو سيدنا يوسف، ومقام سيدى محمد بن أبى بكر الصديق في الباطنية"،
أما منطقة الإمام الشافعي بالقاهرة فقد وجدت مقامات سيدى العز بن عبد السلام وسيدى بن حجر العسقلانى والسادة الثعالبة الأشراف من أحفاد سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيه أيضا كثير جدا من المقامات التي وقعت وجدرانها تحطمت، ومن ضمن هذه المقامات أولاد سيدى جعفر الصادق، حفيد سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابنته السيدة سنا وابنته الأخرى السيدة ثناء رضي الله عنهم بمقابر السيدة عائشة بجوار مقام سيدى جلال الدين السيوطى وإمام الأئمة سيدى شهاب الدين بن حجر العسقلانى صاحب كتاب فتح البارى.
مقام سيدى يحيى الشبيهى وسيدى القاسم الطيب وهما في قبة إسلامية كبيرة عظيمة، تعاني من إهمال شديد.
أما منطقة باب الشعرية، فقد وجد فيها مسجد ومقام العارف بالله سيدى أبو مدين الأشمونى -رضى الله عنه- العلامة الشيخ عثمان الزيلعى شارح كنوز الصوفية، وغيرها من مئات المقامات المنسية، التي جمعت ما بين الإهمال والنسيان والخرافات، تستقر بها الأجساد تراقب ما آلت إليه، كما يؤكد البعض في انتظار تكريم لأصحابها أو ربما فصل في كتاب قد يسرد قصة "مقامات منسية في مصر".
ووسط العديد من الأماكن الأثرية التي تمتلئ بها محافظة المنيا، تأتي البهنسا لتحتل خصوصية وتميزًا لما تتفرد به من وجود عدد كبير من الأضرحة والمقامات الخاصة بصحابة وتابعي رسول الله على أرضها، وربما لو تم الاعتناء بها وتطوير المنطقة كلها لمثلت عامل جذب سياحي كبير للمحافظة كلها.
من أبرز الصحابة والتابعين، الذين توجد لهم قباب وأضرحة بالمكان "محمد بن أبي ذر الغفاري" و"الحسن الصالح بن زين العابدين بن الحسين بن على بن أبي طالب" وله مسجد أيضا يحمل اسمه، و"خولة بنت الأزور" و"عبيدة بن عبادة بن الصامت" و"محمد بن عقبة بن نافع" و"السبع بنات" و"أولاد عقيل بن أبي طالب" وغيرهم الكثير، كما أن بعضها مسجل ضمن الآثار الإسلامية وهو أبعد ما يكون عن اهتمام القائمين على الآثار.
كذلك سيدي رداد البطل القوى، الذي كان يرد على الأعداء كيدهم، فينتصر عليهم، ويهزمهم،.. وسيدي نقاريش، الذي كان يعالج المرضي بأجنحة الطير.. فيكون لهم الشفاء، وسيدي المير الذي يلجأ الناس إليه في الأحداث الغامضة مثل السرقة. أو القتل، فيكشف لهم الجاني في المنام وبطرق أخرى، ثم إنه القاضي، الذي ينتصر للمظلوم من الظالم حين يلجأ إليه المظلومون طلبا لذلك وسيدي بهرام الدميري، صاحب المؤلف الذائع الصيت المعروف باسم الحيوان للدميري.
وفي محافظة الدقهلية امتلات هي الأخري بالأضرحة المهملة، فمثلا قرية دميرة طلخا بها العديد من أضرحة أولياء الله الصالحين وصلت إلى تسعة وتسعين ضريحا، لمثل هذا العدد من الأولياء، الذين أقيمت لهم مقاماتهم قبل مئات السنين. ولم تزل قائمة حتى الآن، وإن كانت أصبحت، مقامات مهملة بحكم التطور الكبير الذي طرأ على عقول الناس وأفهامهم هناك.
ورغم ما يطلق على الشعب المصري بأنه عقائدي ورغم القيمة الدينية الكبيرة للأضرحة بمصر خاصة أضرحة آل بيت النبي، فلا يوجد أدنى محاولة من جانب الوزارات المعنية مثل السياحة والآثار، التي طالما نادوا باستقلالها عن وزارة الثقافة، حتى يتسنى لها التغيير والاهتمام بتلك الآثار، وكذلك الثقافة والأوقاف في استغلالها أو الاستفادة منها، حتى أصبحت دليلا كبيرا على مدي إهمالنا للتاريخ وعدم رغبتنا في تعلم دروس هذا التاريخ أو حتى الاستفادة من كنوزه وآثاره أو حتى تنمية الجانب الروحي والديني.
ورغم أن الصوفيين بمصر هم أكثر الفئات اهتماما بتلك الأضرحة، التي يقيمون لأصحابها احتفالات دائمة بمولدهم ويسافرون ذهابا وإيابا على طول امتداد مصر للاحتفال بذكرى الصالحين والبقاء بجوار أضرحتهم، إلا أنهم لا يمتلكون القدرة على ترميمها أو الاعتناء بها نظرا لأن وزارة الآثار منعت ذلك، فلا هي تركت لهم الاعتناء بها ولا سعت هي لترميمها.
وأكد مصطفى زايد، المنسق العام لائتلاف الطرق الصوفية، أن وزارة الآثار تمنع أي شخص يسعى إلى ترميم أي مكان مسجل كأثر في الوقت الذي تهمل هي أعمال الترميم.
وأضاف زايد أنه بعد ثورة ٢٥ يناير استغل كثير من أعداء الصوفية وجود انفلات أمني بالبلاد وتعدوا على أضرحة آل البيت والصالحين في أماكن كثيرة بالبلاد وللأسف، لم يتحرك المجلس الأعلي للطرق الصوفية للحد أو لمنع هذه التعديات، سواء باتخاذ إجراءات احترازية وتكليف الصوفية بحماية الأضرحة أو التوجه إلى الجهات المسئولة بالدولة ومطالبتها بحماية الأضرحة وبعد أن شاهد شباب الصوفية الموقف المتخاذل من مجلسهم الأعلي أخذ هولاء الشباب على عاتقهم حماية الأضرحة بعمل لجان شعبية لحمايتها، كما كان للمجلس الأعلي للآثار.
وأكد أن الآثار لها دور أيضا في الإهمال، حيث إن كثيرا من هذه الأضرحة تم إهمالها على مر السنين والاهتمام فقط بالآثار الفرعونية، رغم أن هذه الاضرحة مسجلة كأثر يجب الحفاظ عليه.