رئيس التحرير
عصام كامل

بين "السيسي" و "مقدم"


أقل قراءة لمذكرات الصحفيين وناشطي حقوق الإنسان الإيرانيين ممن شاركوا في الثورة ضد "الشاه" وما فعله بهم نظام "الخوميني" بعد أن وصل للحكم، كان يجعلك تشعر بالرعب علي مصر من أجواء النصف الأول من عام 2012 ، وأنت تشاهد برلمان يسيطر عليه الإسلاميون مع فرص لرئيس "إخواني" هي الأعلي بين المرشحين ثم وصوله للحكم في منتصف العام ذاته.. والغريب هو التشابه التام في السلوك والأفعال قبل وبعد وأثناء الثورات لدي جماعات الإسلام السياسي سواء في مصر أو إيران أو غيرهما.


فقبل الثورات يتم "تسخين" كل التيارات غير الإسلامية ضد الأنظمة الحاكمة دون الظهور في المشهد والاصطدام المباشر مع السلطة بهجوم ولو "لفظي" ، فعلها أتباع الخوميني وفعلها أتباع "البنا".. يليها مرحلة الانتظار في الساعات الأولي للثورات حتي تدنو الدفة لصالح الثوار.

ففي إيران قام الشيوعيون واليساريون والعلمانيون بالثورة وبعد أن ظهرت بوادر نجاحها انضم لها إسلاميو إيران، تماماً كما حدث في مصر في ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي أطلق شرارتها الشباب والتيارات الليبرالية وانتظر الإخوان والسلفيون أربعة أيام لينضموا للثوار ثم ركوب الثورة بعد ذلك.. وكما حرق الإخوان مقرات الشرطة لإسقاط النظام سريعاً، حرق الإسلاميون في إيران دور السينما لإثارة الشعب الإيراني ضد نظام الشاه، وتلك الحرائق عجلت بإسقاط النظام في كل من مصر وإيران.

التشابه حتي في الخطاب المتسامح الليبرالي المعتدل قبل التمكين والعصف والفتك بالمعارضين بعد الوصول للحكم.. وقد كتب الصحفي الشيوعي "هوشانج أسدي" في مذكراته والتي حملت عنوان "رسائل إلي معذبي" كيف أن صديقه الإسلامي الحميم "علي خامنئي" والذي كان يحدثه أثناء فترة السجن عن قبوله للآخر ولو ملحداً.. وكيف تحول الصديق الحميم "خامنئي" والذي بكي حينما ترك زنزانة "هوشانج" بعد أن أصبح المرشد الأعلي في إيران.. كيف تحول السجين المظلوم الي حاكم ظالم، نال صديقه القديم "هوشانج" علي يديه كل أنواع التعذيب بسببها حاول الانتحار عدة مرات.

وفي النصف الثاني من عام 2012 بعد فوز مرسي وصدور الإعلان الدكتاتوري -غير الدستوري- والذي أصدره مرسي في نوفمبر قبل الماضي، وما تبعه من محاصرة المحكمة الدستورية العليا، بات المشهد أكثر وضوحاً وبات تكرار السيناريو الإيراني قاب قوسين أو أدني.. وكما تم إعداد دستور إيراني بعد الثورة الإيرانية جعل إيران جمهورية "خمينية"، تم إقرار دستور رغماً عن المصريين يجعل مصر إمارة "إخوانية"، وزاد القلق أكثر وأكثر وتحول القلق إلي خوف شديد علي الورقة الأخيرة وهي الجيش وقياداته.

ففي السيناريو الإيراني وبعد أن تمكن "الخوميني" من الحكم، قتل قيادات الجيش وقتل قائد المخابرات الإيرانية وقتها "ناصر مقدم" وتم إعلان إيران وسقطت إيران كاملة في يد نظام الملالي وتم قمع أي ثورة شعبية في إيران بعد هذا وانتهت مؤسسات الدولة ليحل رجال الخوميني تحت مسمي "الحرس الثوري" محل كل أجهزة الدولة الأمنية.

وهنا كان الخلاف والفارق فلم يكن المصري "عبد الفتاح السيسي" هو الإيراني " ناصر مقدم"، واستطاع أن ينجو ببلده قبل نفسه من هذا السيناريو المظلم.. ولهذا من حقك أن تري "السيسي" كيفما تشاء، سواء تراه الفارس البطل الذي لا يخطئ أو حتي تراه مسئولاً - بالرغم من أنه لا يحمل أي دور تنفيذي بالبلاد - عن القلق في عودة الدولة البوليسية وتشويه ثورة 25 يناير وحالة التلصص والتربص وموجة التخوين واتهامات العمالة من كل فريق تجاه الآخر أو تنتقد الإفراط في مدحه من بعض مؤيديه والخوف من مستقبل يحمل عودة الرئيس "الإله" أو الفرعون ..

فهذا كامل حقك.. إلا أن الحقيقة التي لا تحتمل الشك أن هذا الرجل حمي مصر في لحظة سقوط فارقة كانت ستقضي علي مصر والمصريين تماماً.. فقط اقرأ تاريخ من حولك لتعرف دمار ما كان سيحدث لو لم تنحاز القوات المسلحة المصرية للمصريين في ثورة 30 يونيو.
الجريدة الرسمية