رئيس التحرير
عصام كامل

شكرا ساندرا !


انتهي الاستفتاء.. نتوقف الآن لنلتقط الأنفاس ونرصد ونحلل.. وحتي نعرف - مثلا - حجم المعاناة التي تعرضت لها المخرجة الجميلة "ساندرا نشأت" حتي تخرج لنا فيلمها الرائع عن استفتاء الدستور.. علينا أن نعرف أن فريقا من خمسة أشخاص علي الأقل يجب أن يكون معها في كل الأماكن التي ذهبت إليها.. هذا علي فرض أن التصوير يتم بكاميرا واحدة تحتاج إلي مصور وفني صوت وفني إضاءة.. فضلا عن مدير إنتاج وسائق السيارة الذي ينقلهم جميعا.. وعندما نعرف أن اللقطة الواحدة تحتاج وقتا لترتيبها وضبط الكاميرا وإجراء اختبار الصوت ثم يتم تجميع كل اللقطات في جمل متتابعة مفيدة حتي تخرج كما رأيناها.. ورأيناها في أفضل صورة ممكنة..


وهذا يعني أن مجهودا كبيرا بذلته "ساندرا " لاختيار الأماكن التي تم التصوير فيها كل لقاء من لقاءات الفيلم البديع.. وعندما نتذكر أن ما رأيناه تم في معظم محافظات مصر وتم فيها نهارا وفي عز الشمس بما يعني أن كل محافظة احتاجت يوما بمفردها للتصوير بها.. لأنه من الصعب اللحاق والتصوير بمحافظتين نهارا في يوم واحد..

وهذا لا يتم إلا بمجهود آخر يسبق كل ذلك.. يتمثل في استخراج تصاريح التصوير وإبلاغ مديريات الأمن به لتأمين فريق العمل وهو ما يتطلب متابعات واتصالات يتزامن معها حجز تذاكر السفر بالقطار أو الطيران مع استئجار سيارة محلية من كل محافظة لحمل المعدات أو التنقل بأكثر من سيارة لفريق العمل رأسا من القاهرة..

وهنا يتم متابعة حجز فندق الإقامة حتي القصيرة منها في فنادق محلية مع ترتيب الانتقال من محافظة إلي أخري قريبة منها وهو ما يستلزم ترتيب كل شيء بالورقة والقلم مع وجود دليل محلي هناك من أبناء المحافظة.. فعندما نعلم أن البيروقراطية المصرية العقيمة ما زالت بقوتها سنعرف حجم المعاناة مع مسئولين سيطلبون رؤية الموافقات الأمنية والتأكد منها مع الإلحاح في معرفة واستيعاب الغرض من الموضوع.. مع ظاهرة غياب بعض المسئولين ورفض نوابهم تسهيل مهامهم إلي حين عودة رؤسائهم من إجازاتهم أو من مهامهم وزياراتهم الطارئة.. لأمكن بعد كل ذلك تصور وتخيل حجم الجهد الذي بذلته مخرجة رقيقة مثل "ساندرا " في فيلم قصير وممتع شاهدناه مرات ومرات ونحن نتناول الطعام أو المشروبات في بيوتنا !

ساندرا.. التي كانت مصدرا للتفاؤل والبهجة.. ليس بفيلمها فحسب وإنما بلمساتها فيه ومنها المشاركة بصوتها مرة وبعناصر موهبتها العريضة مرات.. خصوصا في تلطيف موضوع الفيلم وتبسيطه وتحويل بعض مشاهده إلي إفيهات ظريفة حتي أنك تعتقد أنك تعرف كل من ظهر في الفيلم.. أو أنك قابلته من قبل أو أنك كنت تريد أن تقول مثله تماما أو حتي الإحساس بأن كل من اشترك في الفيلم أصدقاء وعائلة واحدة وأنهم يصورون الفيلم جميعا وكأنهم في مكان أو بلاتوه واحد في رشاقة كبيرة للغاية.. وهو ما يؤكد حجم النجاح الباهر للفيلم كعمل فني قبل أن يكون رسالة سياسية!

ساندرا.. مخرجة موهوبة لم تكن في حاجة لشهادتنا لها لتصنيفها كمخرجة ناجحة ومتميزة.. وإنما هي الفرصة لنشكرها علي نبلها وعلي مشاعرها الوطنية المتدفقة التي استفزتها فأخرجت أروع ما فيها كمصرية تشتعل بالحماس والوطنية.. لكنها لم تعشقه كالكثيرين من مناضلي "الكيبورد" بل ضربت المثل عمليا علي الأرض لتمتعنا بفيلمها الرائع..

ندعو الله أن تمتعنا جميعا في كل مسرات الشعب المصري العظيم والذي لا نملك إلا أن نقول لها نيابة عن قطاع كبير منه.. شكرا ساندرا!
الجريدة الرسمية