رئيس التحرير
عصام كامل

يعني إيه جنة؟!

صوره أرشيفية
صوره أرشيفية

>> الإسلام: دار المتقين.. وأرض السلام
>> المسيحية: ملكوت الرب.. و«أورشليم السماوية»
>> اليهودية: «المراعى الخضراء».. و«وادى الراحة»


لا يؤمن إنسان على سطح الأرض بالديانات السماوية إلا ويطمح فى الوصول إلى الجنة، التى تعتبر عند كثير من بنى البشر هى «المكافأة النهاية» التى يمنحها الله لهؤلاء الذين فعلوا الصالحات، وحافظوا على تنفيذ أوامره على الأرض، ولكن بطبيعة الحال فإن مفهوم الجنة يختلف من شخص لآخر وفقا لعقيدته وديانته التى يؤمن بها، وبالتالى يختلف مفهوم الجنة ووصفها والحياة فيها من ديانة إلى أخري.

ففى الدين الإسلامى ذكر القرآن الكريم عدة أسماء للجنة منها «الدار الآخرة» و«الفردوس» و«جنات النعيم» و«جنات عدن» و«جنة الخُلد» و«جنة المأوى» و«دار السلام» و«دار المتقين» و«دار المقامة»..

وتقسم الجنة إلى مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين الأرض والسماء، والفردوس أعلاها درجة، ومنه تتفجر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش وهى محاطة بثمانية أبواب ومقسمة كما يقول عنها النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، إنها تتكون من «لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها ‏ ‏المسك الأذفر ‏وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وتربتها الزعفران من دخلها ينعم لا ييأس ويخلد لا يموت لا ‏ ‏تبلى ثيابهم ولا ‏ ‏يفنى شبابهم» كما يوجد فيها كثير من الأنهار منها ما هو من ماء ومن لبن ومن خمر يختلف عن خمر الدنيا وعسل حيث يذكر القران الكريم «مثل الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ» كما أن بها نهرا من مسك وهو نهر الكوثر لقول النبى «دخلت الجنة فإذا أنا بنهر يجرى حافتاه ‏خيام اللؤلؤ فضربت بيدى إلى ما يجرى فيه فإذا هو ‏‏مسك ‏‏أذفر‏ ‏قلت يا ‏جبريل‏ ‏ما هذا قال هذا الكوثر الذى أعطاك الله عز وجل».

وأيضا قال الله تعالى عن وصف الجنة «فى جنة عالية لا تسمع فيها لاغية فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابى مبثوثة» كما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «إن فى الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» بمعنى ان ما حرمه الله على عباده المؤمنين فى الدنيا من الخمر ولبس الحرير والذهب أحله عليهم فى الجنة كما ان أدنى أهلها يسير فى ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة ألفى عام أما اشجار الجنة فجميعها يتكون ساقها من ذهب وفضة لا من الحطب والخشب.

وعن هيئة ولباس أهل الجنة يقول القرآن «عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا» وهم فى عمر الثالثة والثلاثين على صورة آدم عليه السلام وايضا يقول عنهم القرآن «وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا» وايضا « يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ».

أما نساء الجنة فهن صنفان هما الحور العين وهن مخلوقات لأهل الجنة وصفهن الله تبارك وتعالى فى كتابه العزيز «كأنهن الياقوت والمرجان» والنوع الآخر هو نساء الدنيا المؤمنات وهؤلاء هن ملكات الجنة وهن أشرف وأفضل وأكمل وأجمل من الحور العين حيث قال رسول الله «إن فضل نساء الدنيا على الحور العين كفضل ظاهر الثوب على بطانته» حيث أعد الله قصورا ونعيما ممدودا واعطاهن شبابا دائما وجمالا لم تره عين من قبل.

وتعتبر أعظم نعمة فى الجنة على الاطلاق هى رؤية وجهه الكريم سبحانه وتعالى فاذا دخل أهل الجنة يقول الله تبارك وتعالي: يأهل الجنة أتريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب اليهم من النظر الى ربهم.

أما فى العقيدة المسيحية فإن الجنة تعنى فى المسيحية «سماء المجد» حيث ورد فى العهد الجديد العديد من المصطلحات التى تعبر عن الجنة ومنها «الملكوت» «ملكوت الله» و«ملكوت السموات» و«ملكوت المسيح والأرض» و«السماء الجديدة» و«أورشليم السماوية».

وملكوت الله لا يصل إليه إلا أولئك الذين آمنوا بالمسيح إيمانا صحيحا ونالوا الخلاص وغفران الخطايا حيث يحصلون بذلك على المكافأة الكبرى وهى أن يقضوا الأبدية فى محضر الله فى السماء مع المسيح الذى قال لتلاميذه فى الحديث عن الجنة «لا تضطرب قلوبكم أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بى فى بيت أبى منازل كثيرة وإلا فإنى كنتُ قد قلت لكم أنا أمضى لأعد لكم مكانا وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتى أيضا وآخذكم إلى حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا» وقد حدد الإنجيل صفات اهل السماء حيث قال « أم لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله. لا تضلّوا. لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون ولا طمّاعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله. وهكذا كان أناس منكم. لكن اغتسلتم بل تبررتم باسم الرب يسوع المسيح وروح إلهنا» ويقول ايضا « طوبى للذين يصنعون وصاياه لكى يكون سلطانهم على شجرة الحياة ويدخلوا من الأبواب إلى المدينة. لأن خارجها الكلاب والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان وكل من يحب أو يصنع كذبا».

الإنجيل ذكر بعض التغييرات فى شكل أهل السماء وهو أمر لا يتعلق فقط بالشكل والحجم والطول بمعنى اعتبار ان الجسد الجديد لاهل الجنة يكون جسدا روحيا قد يحافظ على شكل الجسد القديم ومظهره إلا انه سيكون مشابها لجسد يسوع المسيح المقام من بين الأموات والذى تعرف عليه تلاميذ المسيح بعد دهشتهم من المفاجأة كما جاء فى الإنجيل بما يشير الى ان هذا الجسد يكون عاديا فى الحجم والمظهر ولكنه جسد روحانى لا يخضع للقوانين الطبيعية مثل قانون الجاذبية ومحدودية المكان كما انه لا يحتاج لوظائف الجسد المادى القديم مع أنه قادر على القيام بها مثل وظيفة الأكل والشرب بمعنى أنه جسد روحانى ونورانى خالد عديم الفساد والفناء وايضا فقد اظهر المسيح أن السماء لن يكون فيها زوجات وحوارى حيث إن جميع المؤمنين رجالا ونساء يصبحون كائنات ملائكية لا ينشغلون فى حياتهم إلا بتمجيد الله وحمده وتسبيحه.

أما شكل السماء فى جنة المسيحية فإن وصفها فى الإنجيل بالوحى المقدس جاء بالقول «ثم رأيت سماء جديدة وأرضا جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا والبحر لا يوجد فى ما بعد، وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مُهيأة كعروس مُزينة لرجلها. وسمعت صوتا عظيما من السماء قائلا: هو ذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبا والله نفسه يكون معهم إلها لهم. وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون فيما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد لأن الأمور الأولى قد مضت. وقال الجالس على العرش أنا أصنع كل شيء جديدا... ولم أرَ فيها هيكلا لأن الرب الله القادر على كل شيء هو والخروف (المسيح) هيكلها. والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها لأن مجد الله أنارها والخروف سراجها. وتمشى شعوب المُخلّصين بنورها وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها. وأبوابها لن تُغلق نهارا لأن ليلا لا يكون هناك. ويجيئون بمجد الأمم وكرامتهم إليها... وأرانى نهرا صافيا من ماء حياة لامعا كبلور خارجا من عرش الله والخروف. فى وسط سوقها وعلى النهر من هنا وهناك شجرة حياة تصنع إثنى عشرة ثمرة وتعطى كل شهر ثمرها. وورق الشجرة لشفاء الأمم. ولن تكون لعنة فى ما بعد. وعرش الله والخروف يكون فيها وعبيده يخدمونه. وهم سينظرون وجهه وإسمه على جباههم. ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم وهم سيملكون إلى أبد الآبدين.»

وأيضا الجنة عند اليهودية تختلف عنها فى الإسلام والمسيحية حيث ان الجنة فى مزامير داوود هى «المراع الخضر» و«وادى الراحة» و«المكان الذى هربت منه الكآبة» كما ان اليهودية اعطت لكل شخص أن يتصور جنته الخاصة حسب هواه وراحته حيث تعتبر الجنة فكرة معنوية ووصفها شىء شخصى جدا, أى أن لكل شخص أن يتصور ويتخيل جنته الخاصة, أو أن يترك تحديد الفكرة بكاملها لتكمن فى خلفية عقله كحافز غير محدد على وجه الدقة ولكنه جميل وسر جماله أنه يفوق القدرة على التخيل.

وقد قال الحاخام موسى بن ميمون: إن جميع الأشخاص الصالحين والمستقيمين من كل الأديان، شريطة ألاَّ يكونوا مشركين بالله تعالى ووثنيين، سوف ينتقلون إلى الجنة وانه لا فرق فى ذلك بين اليهود وغير اليهود، فكل الصالحين مآلهم إلى الجنة.

> المصادر:
- سورة التوبة - سورة سبأ - سورة الفرقان - سورة الزمر - صحيح الجامع الصغير - صحيح البخارى ، كتاب بدء الخلق ، باب صفة الجنة، فتح البارى - رواه مسلم كتب الجنة ، باب فى صفة خيام الجنة - مشكاة...
المصابيح - صحيح الجامع...
الجريدة الرسمية