رئيس التحرير
عصام كامل

نشطاء لا يقرأون


كانوا يدورون فى الشوارع مرددين "يسقط يسقط حكم العسكر"، وساهموا بقوة فى انتخاب مرسى وجماعته، والآن تسمع منهم أصواتاً تطالب الجيش بالتدخل!! من الواضح أن هؤلاء النُشطاء يحكمون على السياسة، من مُنطلق ما يوجد تحت أقدامهم فقط وليس لديهم رؤية مُستقبلية على الإطلاق!!

منهم أساتذة علوم سياسية، أكدوا لى، ما أُردده دوماً من أن العلم "محتوى" وليس أبداً لقب!! فلقد كانوا يُضحكوننى فى بداية ثورتهم، حينما قالوا: "الديمقراطية فى مصر، مسألة أشهر". لقد كانوا يظنون أن مبارك هو العائق وفقط، .. لم يقرأوا عن "ثقافة الشعب" على مدى العقود بل القرون الماضية!!
أغلبهم مجموعة من الحالمين، ممن لا يفهم ما يعنيه القرار السياسى.. لم يقرأوا تاريخ مصر ولا موروث الشعب، ويتكلمون عن السياسة وكأنهم على وشك دخول "قتال"، وليس بمنطق من سيُقيم العدل ويحفظ الأرواح!
يعتمدون نظرة منبثقة من فلاسفة سياسيين، عاشوا وماتوا فى بلاد أجنبية، وتجاربهم مُختلفة كلياً عن تجربة المصريين أو العرب أو المسلمين. فان قالوا لك إن الإنسان واحد فى كل مكان، عليك أن ترد بأن هذا صحيح، ولكن التجربة والثقافة والبيئة تختلف، ولذا، حتى الجُزيئات المكونة لأنواع الديمقراطية فى الدول المتقدمة تختلف معاً!!
لقد اعتبروا ولأن أغلبهم ليسوا من دارسى أو قارئى التاريخ والسياسة، بأن الرئيس الذى يأتى من خلفية عسكرية هو رئيس عسكرى، لأنهم لم يسمعوا يوماً عن الجنرال شارل ديجول رئيس فرنسا المدنية دائماً أو عن الجنرال أيزنهاور رئيس الولايات المتحدة المدنية دوماً!! إنهم فى حاجة ماسة لأن يدخلوا فصول الدراسة التاريخية، لأن الجُهلاء بالطبع، لا يمكنهم أن يبنوا دولة مُتقدمة!!
إن الظلم يزيد ولا ينقص، بمن يروجون لفوضى المفاهيم، ممن يريدون شُهرة على حساب الحق، ولقد كان هؤلاء النُشطاء من أهم أسباب الفوضى فى مصر، لأنهم لا يعرفون أعماق أغوار الحق، ويظنون أنه "مشاهد" يرأفون لها ويبكون. وربما كان الأمر بالنسبة لهم نوع من صناعة "البطولة الوهمية"، على حساب الفقراء والمساكين فى الوطن، لأنهم ظنوا أن العلم "رحلة" فى كتاب ماركسى أو ليبرالى غربى، ولم يدروا يوماً أن هذا كان حلم الغرب تجاه الشرق، منذ الحملات الصليبية وربما قبلها، وأنهم استُغلوا ليُحققوه، على حساب كل فرد فى هذا الوطن!!
لم يقرأوا عن الصراع الدائر على مستوى العالم منذ أن خط صامويل هنتجتون مقاله حول "صراع الحضارات"، وأن الصراع الدائر لأجل تطبيق العولمة، ولأجل مسخ شخصية الوطن، ولأجل زيادة الأغنياء غناً والفقراء فقراً، وأنهم كانوا عاملاً مُساعداً فى دولهم لإحداث هذا التغيير، من أجل عيون الغرب!!
لم يقرأوا شيئاً محلياً مُجدياً ولن يقرأوا وسيجادلون ويتبجحون ويُكابرون ويتهمون ويشتمون كل من يحاول أن يكشف الحقيقة العارية، لأنهم واهمون دوماً وباعوا للوطن الوهم من اليوم الأول، وما زالوا!!
إلا أن المواطن عرف ويعرف، وسيستلب حقه منهم ومن غيرهم، لأنهم خدعوه، ويخدعونه، تحت مُسميات العلم الذى يجهلون!!
ويبدو لى من مُشاهدتهم على مدى العامين السابقين، أن مهنة ناشط سياسى، أضحت مهنة من لا مهنة له!! إلا أنه سيدفع الثمن غالياً، على تلك التمثيليات "الركيكة" التى مثلها ضد مصلحة الوطن، مهما كان أو علا شأنه، لأن الجهل لا يبنى وإنما يؤسس للفساد كله!!
إنهم لا يثبتون على رأى، لأنهم لا يملكون الحكمة أو الرؤيا، ولأنهم لا يقرأون!!
والله أكبر والعزة لمصر
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية.
الجريدة الرسمية