رئيس التحرير
عصام كامل

خناقة "أرامل" السيسي و"بتوع" حمدين


قبل الاستفتاء على الدستور بأيام بدأت حرب مكتومة بين المرشح "المحتمل" حمدين صباحى والمرشح "المطلوب" الفريق أول عبد الفتاح السيسى لرئاسة الجمهورية، زادت حدتها مع الإعلان عن تسريبات لتسجيلات خاصة بصباحى وتفنيد أحد الإعلاميين مواقفه السياسية من الإخوان، لدرجة شاع معها الحديث عن مقاطعة أرباب حمدين داخل التيار الشعبى للاستفتاء رداً على محاولات استهدافه.

ويبدو الصراع مكتوماً منذ ظهرت صور السيسى فى الميادين مصحوبة بصور عبد الناصر، ومعها بدت الحالة النفسية لتيار من يلقبهم اليسار بـ"بتوع حمدين" سيئة، حيث جرى تقديم السيسى للرأى العام المصرى كمنقذ للبلاد من جماعة أتت إلى السلطة بضغط على عورات مجتمع تزايدت بفعل إفساد "العسكر" للحياة السياسية، بعد حرمانها وحظرها منذ إجراءات "ناصر" مع أقطابها، بينما رآه الخارج نسخة جديدة من "جمال" الذى أرجأ بظهوره مشروع الشرق الأوسط الجديد 60 عاماً وخلق من عدم الانحياز والقومية والعروبة حوائط صد ضد سياسة الأحلاف الضاربة فى أركان الوطن العربى وامتداداته.

هنا كانت المعضلة لتيار "حمدين" الذى ظل ممارساً لخطاب شعبى يصبغه صباحى بصبغة "ناصرية" ضارباً به شتات الناصريين المتنازعين على زعامات أبعد بتطبيقات أصحابها عن فكر يبحث عن روح مؤسسه المفقرون الفاقدون مكتسبات يوليو، من الطبقات المتآكلة استحقاقاتها بفعل الخصخصة وإهمالها عقب ثورتى يناير 2011 ويونيو2013 .

وكأن الصراع المكتوم بين "المرشحين" على عباءة عبد الناصر ومن هو أولى بارتدائها، بينما كثير من الناس يرى فشل تجربة حكم الإخوان "المدنيين"، أتباع السماء، وصمة تمتد إلى أرباب التيار المدنى، وقطاع غير ضيق من اليسار والأحزاب الليبرالية يرى فرص الاستقرار والديمقراطية مرهونة بتحقيق الأمن والقضاء على الإرهاب أولاً عبر أذرع مباشرة يتقدمها الجيش والشرطة، فيما يرى بعضها أن "قسمة الحق" فى سلطة ما بعد إسقاط الإخوان، تستلزم حياد المرشحين السابقين للرئاسة وتنازلهم عن أحلامهم ولو مؤقتاً، استجابة لضغوط الشارع وهواه، ودرءاً لمخاطر الخارج التى طالت بلدان أخرى انهارت جيوشها.

جزء من الصراع تديره قوى "مدنية" مصنفة بين "محنكين" يؤمنون أن "بتوع" حمدين ليسوا أهل ثورة ولا نضال، وأن تجاربهم القصيرة فى العمل العام والسياسى لا تشير إلى ملامح نجاح يستحق الدفع بـ"صباحى" مرشحاً للرئاسة، وهؤلاء يحصون على مؤسس التيار الشعبى ما يقولون إنه "خطايا ماضية" ويشيرون إلى علاقاته بأنظمة عربية غير ديمقراطية رغم مشاركته فى تأسيس حركة "كفاية" ضد التمديد والتوريث، ويتحدثون عن ترشيحه للعب دور الوصيف فى انتخابات تأتى بجمال مبارك للحكم قبل انهيار نظام والده، وينهون حديثهم بسيرة حسابات حمدين مع تيار الإخوان منذ انتخابات برلمان 2005 وحتى التحالف الانتخابي لحزبه مع قائمة الجماعة بحثاً عن مكاسب فى برلمان 2012 ، وصولاً إلى "عشمه" فى تنازل مرسى له ليتركه فى مواجهة شفيق خلال جولة الإعادة بانتخابات الرئاسة.

أما القوى "المدنية" الأخرى فقوامها شعب يرى مرشحاً بطعم ونكهة "الزعيم"، منتمياً للمؤسسة العسكرية، داعماً لحلمه فى الخلاص من إرهاب الإخوان وغلظة الفقر وتوحش رأس المال معاً، بالتوازى مع "كوكتيل الأرامل" من رجال الأعمال المتسلحين بإعلام قوى مؤثر فى توجيه الرأى العام بنسب غير قليلة، ومجموعات متناثرة من العالقين بين زمن مبارك والثورة وشفيق، ناهيك عن تيار "ناصرى" غير قليل يرى الجيش ملاذاً آمناً ويصنف فى الوقت ذاته حمدين كـ"منشق" على الفكرة ولاعب فردى على مستطيلها وأن أحداً من أتباعه لن يخجل من وصف السيسى بالانقلابى فى خضم المعركة.

أضف لهؤلاء جماعات التكنوقراط النظاميين الذين يعتقدون بعودة فرصهم فى وجود شخصية تنتمى للمؤسسة العسكرية تقدر طاقاتهم، ويخشون حضور عقلية "غير مضمونة الهوى" تقدم أهل الولاء الخاص على حساب الكفاءات.

العاقلون بين هؤلاء وأولئك وحدهم يقرأون مستقبل مصر بطريقة مختلفة، فيوازنون بين مواصفات رئيس يدير شئونها الداخلية ويجمع شمل الوطن ويحفظ لأهله استحقاقاتهم بعد ثورتين، وقائد يستعيد للبلاد قدرها إقليمياً ودولياً ويضع مصر مجدداً كدولة مواجهة على رأس الأشقاء العرب ضد مخططات التقسيم الأمريكية التى تستهدف بلدان المنطقة بأيدى الإخوان وقطر وتركيا وإسرائيل.

حمدين بحضوره وخطابه وخبرة 4 أشهر تزيده سناً عن السيسى، والفريق بعدم انتمائه لـ"العسكر" واستعادته هيبة مؤسسة الجيش وقياداتها غير المنخرطين فى السياسة وفسادها وتقلباتها، واقتراب كليهما من الشيخوخة حال حصوله على حكم مصر 8 سنوات مقبلة، أمور تجعل المنافسة غير تقليدية، وقراءة أولية للمشهد تؤكد احتمالات شق صف التيار المدنى حال ترشح صباحى أمام السيسى، وقد تدفع بالتيار الشعبى نفسه إلى الانهيار والتشرذم فى بداياته، ربما يكون الرئيس القائد أحدهما خلال أسابيع، أو أحداً غيرهما، لكن رؤيته وبرنامجه وتقيده بعقد كتبه المصريون هذا الأسبوع، ألا وهو الدستور، هى أسس اختياره التى لابد وأن يضعها المصريون أمام أعينهم.. وإنا لمنتظرون.
الجريدة الرسمية