رئيس التحرير
عصام كامل

في مصر.. الحرية المطلقة.. فوضى مطلقة


إذا كانت السلطة المطلقة مفسدة مطلقة كما قال المفكر البريطاني اللورد أكتون، فإن تجربة السنوات الثلاث الأخيرة من تاريخ مصر أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن "الحرية المطلقة فوضى مطلقة".

أقول ذلك بمناسبة وعلى خلفية التحول المفاجئ فى موقف د. جابر نصار رئيس جامعة القاهرة من رافض إلى مؤيد لعودة الحرس الجامعى.

د. نصار كان من المنحازين لمنح مفاتيح الحرية لطلاب الجامعات، بمنطق أنهم لن يسيئوا استغلالها وكان يرى أن الأمن الإدارى داخل الجامعة التى يرأسها يكفي، وكان من أشد المعارضين لدخول أمن الداخلية إلى حرم الجامعة، لكن الرجل الذى انتقدت - فى مقال سابق - موقفه من أعمال الحرق والتخريب التى يمارسها طلاب الجماعة الإرهابية فى الجامعة، اكتشف "متأخرا" أن الحرية المطلقة تمهد وتدشن وتقود حتما إلى الفوضى المطلقة ، وطلب بنفسه النجدة من الشرطة لإنقاذ أساتذة الجامعة من بطش الطلاب المجرمين وإجهاض مخطط إلغاء الامتحانات الذى يهدفون إلى تحقيقه.

نحن فى النهاية بشر ، وبالتجربة إذا لم يتم معاقبة "المجرم المربوط" سيتمادى "المجرم السايب" فى غيه وسيزداد بجاحة ، بل سوف نرى فى قادم الأيام طلابا يخرجون المطاوى ويهددون الأساتذة كى يتمكنوا من الغش ، ولو وجد البلطجية والمجرمون والمخالفون للقانون من يلوح لهم بالعقوبة لفكروا ألف مرة قبل أن يقدموا على أفعالهم وإجرامهم ، لكن وبكل أسف غابت أو غيبت عن عمد آلية التلويح بالعقوبة فى كل ما يرتكب من جرائم فى مصر.

3 سنوات ضاعت من عمر مصر فى حالة فوضوية وليست حالة ثورية، هذه السنوات الفوضوية الثلاث للأسف غيرت مفاهيم وقناعات ملايين من المصريين كانو قبلها ينشدون الحرية والديمقراطية وأشياء أخرى ، وقد ثبت باليقين خلالها أن الحرية لن تؤكل هذا الشعب عيشا لأنها أفضت إلى الغابة التى نعيشها الآن، وأن الديمقراطية تظل مفهوما عديم القيمة إذا ما صاحبها قانون يطبق على الجميع ، طهقنا من الجدل السفسطائى، لم يعد يعنينا الحديث عن الائتلافات والأحزاب والحركات و"النشطاء" و"الكسلاء" فى دولة عاجزة عن تطبيق القانون.

الديمقراطية من وجهة نظرى هى حرية التعبير المقرونة باحترام الآخر وليست حرية البجاحة، هى راتب يلبى الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطنين، هى علاج آدمى توفره الدولة لغير القادرين.

هى طريق غير مخنوق أو مزدحم أذهب فيه إلى عملى ذهابا وإيابا فى الزمن المحدد وليس فى 3 أو 4 أضعاف الوقت ، هى بنية أساسية وشوارع ممهدة وطرق مرصوفة ليست مليئة بالحفر والمطبات ، هى أعمدة إنارة تضيء طريقى ليلا وليست ظلاما، الديمقراطية ليست "وحلا" أنزلق فيه مع كل "شوية" مطر تتساقط ، ليست شوارع غارقة فى الزبالة ومناظر تؤذى العقول والعيون، ليست شوارع مسدودة بالباعة الجائلين لأن الدولة رخوة مرتعشة لاتجرؤ شرطتها على إجلائهم أو التصادم معهم ، الديمقراطية هى بالأساس شعور بالأمان،الديمقراطية ليست عمليات سطو مسلح يرتكبها البلطجية كل يوم على المحلات والصيدليات وسيارات نقل الأموال وكأنهم فى نزهة دون أن يتم القبض عليهم.

لقد عشت فى دولة خليجية عدة سنوات، رأيت الديمقراطية فى دولة متماسكة الأركان ، القانون فيها كالسيف، لا أحد يجرؤ على مخالفته واستوعبت أن الديمقراطية ليست شعارا يتشدقون به فى المنتديات، بل إنجازات تتحقق بها رفاهية المواطنين ويراها الجميع بعينه على أرض الواقع .

باختصار يا من ستمسكون بزمام الأمور فى قادم الأيام فى هذا البلد، لا نريد الحرية ولا الديمقراطية .. خدوها واعطونا الأمان والعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية.
الجريدة الرسمية