رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو.."ميت" يسير بشوارع مصر.. "السيسي" صديقه ويتمنى أن يراه "رئيس".. محمود معاق ذهنيّا وبدنيّا ومصاب بـ"ورم في المخ".. غابت عنه رحمة البشر.. ومقابر الصدقات تنتظر حضوره

فيتو

عندما تشاهده من بعيد تعتقد أنه مجرم ومسجل خطر وتفضل الابتعاد عنه بسبب مظهره العام وتدخينه السجائر بشراهة، جمعتنى الصدفة به داخل مركز علاج الأورام والطب النووي التابع لقصر العينى، يقف محمود سيد فاروق، يرمقك بنظرة تجعلك تستشعر بخطر داهم قادم من مجهول، وبمجرد وقوع عينى على وجهه وتدقيق النظر لوجهه بشيء من الفضول، بسبب الشنطة التي يحملها ويلفها بحبل ويضع عليها صورة الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي.

استشعر محمود أننى متابع له وشغوف بمعرفة ما يحمله داخل هذه الشنطة التي اتضح لى فيما بعد أنها الخزينة الخاصة به ويحمل داخلها جميع ما يملك من هذه الدنيا، رد على نظرتى الغريبة بابتسامة طفولية لا تعكس ملامح وجهه، أكدت لى ابتسامته أنه مصاب بإعاقة ذهنية، خاصة بعد أن رفع الشنطة التي يحملها في يده إلى جوار كتفه، مشيرا لى كى أنتبه إلى وجود صورة الفريق "السيسي" عليها.

قررت الاقتراب منه والحديث معه كى أتفهم سر شغفه بحب وزير الدفاع، وسبب تواجده بهذا المكان، مركز علاج الأورام، مجرد أن وجهت له التحية رده لى كان بقوله "أهلا يا محمد" اكتشفت فيما بعد أن جميع البشر لديه اسمهم "محمد" دون استثناء سواء كان ذكرا أو أنثى، مسلما أو قبطيا.

زاد شغفى وسألته عن سبب وجوده بمركز لمعالجة الأورام، خاصة أنه يدخن السجائر بشراهة، مد يده بورقة لى كى أفهم من قصة البأس الضاحك، بإلقاء نظرة سريعة على الورقة تبين لى أنها خطاب صادر من وزارة الصحة والسكان بعلاج على نفقة الدولة لـ"محمود" لإجراء أشعة مقطعية نتيجة إصابته بورم في المخ والغدة النخامية، حالته العقلية لم تمكنه من استيعاب خطورة مرضه، مما جعله زاهدا في حياتنا، يعيش حالة من الرضا في كوكبه الخاص، سألنى عقب قراءتى للورقة بنبرة طفولية "هما هيعملولى العملية هنا عموما أنا جايب معايا البطانية والشنطة وصورة حبيبى".

البطانية لا تفارقه حالها كحال الشنطة التي تحتوي جميع الأوراق الطبية الخاصة به، يقيم بمنطقة دار السلام طبقا لما أكده لى ولم أستطع الحصول على إجابة وافية لعنوان سكنه، العنوان بالنسبة له "أبو أشرف" وهي إحدى المحطات الشهيرة بدار السلام.

محمود مواطن مصري كغيره الكثيرين الذين طالهم طاعون مرض "السرطان" الذي يتفشى في مصر بصورة مفزعة، نظرة الترقب والخوف والقلق التي تسيطر على باقى المرضى بنفس المكان، ضلت طريقها إلى محمود الذي يرى أن حمايته وعائلته وأسرته هو الفريق السيسي، يأتى إلى المركز بشكل يومي بمفرده حاملا بطانيته وشنطته وصورة وزير الدفاع بمفرده، منتظرا دون جدوى رحمة ملائكة الرحمة اللاتى غابت عن قلوبهن واستهانت به لعلم العاملين بمركز طب الأورام بقصر العينى، بعدم تهديده لهم فهو شخص مغيب بعيد عن أهل السلطة، وشكايته سهلت التشكيك في صحتها لطبيعة حالته العقلية.

عندما سألته عن مرافق له، كغيره من المرضى رد على سؤالى بإيمان راسخ "معايا ربنا وحبيبى" حبيب محمود هو "السيسي" الذي يراه سنده في الحياة يحتمى به، من تطاول بعض أطفال الشوارع، وأصحاب القلوب المتحجرة الذين يعتدون عليه بسبب إعاقته بقدمه اليمنى، التي أضافت إلى قلبى جرعة حزن إضافية غير التي تجرعتها عقب اكتشافى أن الشخص الواقف أمامى ربما يختاره الله إلى جواره وهو يحدثنى.

حب محمود للفريق السيسي، جلعه متأكدا أنه سيمنحه "سيارة مجهزة" للمعاقين، رغم عدم قدرته على قيادة السيارات وعدم علمه بها، وعندما سألته عن سبب حبه لـ"السيسي" قال لى بنبرة حادة "راجل جدع وحمى البلد لكن مرسي ده كان متسول" وأضاف "الجيش والشرطة إيد واحدة والشعب متسول" ولفظ متسول يطلقه على كل من لا يشعر بحبه له، أراد أن يعبر عن عمالة الإخوان لأمريكا، لم يسعفه عقل الطفل الذي يحمله على جسد رجل معاق وظل يردد "الإخوان عدو الأمريكان".

عقب مهاجمة مريض السرطان الوحيد بالدنيا والمؤكد أن جسده ستواريه عن قريب "مقابر الصدقة"، وضعت على كتفه يد غاشمة من رجل أمن خاص بالمركز ليجره مثلما تجر المخلفات والنفايات ويلقى به خارج سور المركز.. غاب محمود عن وجهى وربما لم أره مرة أخرى ولا أملك سوى أن أترحم عليه من الآن.. رحمك لله يا عاشق السيسي، وربما يمهلك القدر كى تراه رئيسك كما أردت.
الجريدة الرسمية