رئيس التحرير
عصام كامل

تجول لا إرادى


(ضحك كالبكاء) اجتاح مصر بعامة ومدن القناة بخاصة، حين طُبق قانون الطوارئ، وفُرض حظر التجوال على محافظات القناة الثلاث.
استهله أهل بورسعيد بالنزول إلى الشوارع راكبين دراجاتهم النارية وسياراتهم الخاصة والأجرة، والجميع شارك فى ملحمة موسيقية «تنبيهية» على أنغام آلات التنبيه، وتبارت ربات البيوت بعجن الخبز البورسعيدى الشهير لتوزيعه على جنود الأمن المركزى، أما أهل الإسماعيلية فقد انقسموا إلى جانب منخرط فى الإحماء استعدادًا لبدء دورة مباريات كرة قدم، وآخر للمشاهدة والـــــتشجيع وتوزيع المأكولات، والأنكى من كل ذلك مشاركة قوات الأمن المركزى فى المباراة باللعب! كرد عبقرى ورسالة مزدوجة إلى الشعب والحاكم أيضًا.

لعب عتيد، وأضواء متلألئة، وعائلات تفترش الحدائق العامة وتوزع الحلوى والشوكولاتة لتمضية ساعات حظر التجوال فى ما يمكن تصنيفه فى موسوعة «جينيس» للأفكار الإبداعية غير المسبوقــــة.
ويبادر أهل السويس بالنزول فى مسيرات حاشدة ملوحين بعـــــلامات النصر والسلامات أمام كاميرات التليفزيون احتفاءً بالحظر؟ وتظهر نشرات أخبار مرورية لمساعدة أهل المدن الواقعة تحت حظر التجوال لمساعدتهم فى الأزمات المرورية والازدحــــام الشديد الناجم عن الحظر.
ويطفو المثل المصرى القديم «ساعة الحظ ما تتعوضش» ليستبدل بسخرية موحية إلى «ساعة الحظرما تتعوضش» ليطالب أهل المحروسة بضم مدينتهم إلى قرار الحظر للــــتمتع بساعاته!
أسئلة كثيرة وما دامت ستبقى من دون إجابات لبعض الوقت، فإنه حرى بنا الالتفات إلى ما هو قابل للفهم.
النكتة هى جزء من الشخصية المصرية من قديم الأزل، واجه بها على مر الزمن واقعه السياسى ومشكلاته الاجتماعية، وللشعب المصرى جولاته الفكاهية مع حكامه، حتى أن الرئيس جمال عبد الناصر قد ناشد الشعب المصرى فى خطبة مشهورة له « أن يتقى الله فى نفسه، وأن يرشد النكتة بما لا يؤذى الشعور الوطنى»، والآن الحاكم هو تيار دينى.. وتيار التشدد الدينى يكره النكتة.. لكونها مجازًا.. وهم لا يؤمنون بالمجاز.. فأراد الشعب المصرى وبعفويته المعهودة أن يرد بطريقة غاية فى الإبداع، فحول أغانى أم كلثوم المشهورة إلى نكات على الحظر (حظر إيه اللى أنت جاى تقول عليه) وأطلق نكاته اللاذعة على الرئيس وأهله وعشيرته.. وهذا ما لم ينتبه له هو وعشيرته، فالنكتة هى جهاز المقاومة عند المصريين وقد كانت سيدة الموقف فى احتجاجات التحرير، فقوة تأثيرها فى العقل الجمعى تفوق كل الخطابات الموجهة الأخرى، واستحق الشعب المصرى عنها حوز درجة « شعب عبقرى» بجدارة واستحقاق.. وحينما يقال انفجرت النكتة أو انفجر فلان ضاحكًا، علينا أن نفكر مليًا أنه حينما تختفى فكرة النكتة لن يتبقى لنا سوى فعل «انفجر»، وهو ما نشاهده يوميًا على شاشات التلفاز من ردود فعل الشباب الغاضب.



الجريدة الرسمية