شعب مصر الطيب يصنع مستقبله
يعتبر شعب مصر -على المستوى العام- شعبًا طيبًا، ولو أنك نزلت إلى الأحياء الشعبية في القاهرة، والمدن، والمراكز، والقرى، والكفور، والنجوع، سوف تجد الطيبة والشهامة والمروءة والرجولة في أجلى صورها، سوف تجد الرضا والقبول والقناعة وقوة التوكل.. هذا الشعب هده وتناوب عليه على مدى فترات طويلة ثالوث التخلف: "الفقر والجهل والمرض".. الشجن في حياته جزء من طبيعته وثقافته، بنظرة إلى التراث الشعبى، والموال، والربابة، والناى، والغناء الحزين، سوف تدرك إلى أي مدى يعشش الشجن في قلوب المصريين.. لعلك تلاحظ أن الذين يحضرون الجنازات أضعاف الذين يحضرون الأفراح.. مع ذلك هم خفيفو الظل، أبناء "نكتة"، حتى في الظروف القاسية التي تمر بهم.. يعشقون البطولة ويفخرون بأمجادهم وتاريخهم..
الشعب المصرى على مختلف فئاته وشرائحه وتوجهاته، متدين لأقصى مدى.. هو مغرم صبابة بالنبى وآل بيته وصحابته والتابعين.. محب للسيدة زينب والحسين، والإمام الشافعى.. محبة الصالحين تسرى في عروقه، وتملأ قلبه، ويروى عنهم حكايات وروايات أقرب إلى الأساطير.. العصاة والمذنبون يثورون وينتفضون غضبًا إذا رأوا اعتداء أو إهانة أو انتقاصًا من مقدساتهم..
أحسب أن ما يجرى في مصر الآن شيء طارئ عليها.. غيوم تجمعت في سمائها، لكنها سوف تتبدد.. ورغم الدم والتخريب والتدمير ناهينا عن التدهور القيمى والأخلاقى، فإن هذه الفترة سوف نتجاوزها وسوف تصبح أثرًا بعد عين..
صحيح نحن الآن في ضيق وتوتر وتذمر من كل شيء، والحوار بيننا أصبح مستحيلا أو صعبا، ضاق بنا أو ضقنا به، ولم يعد أحد على استعداد أن يسمع أحدا.. وصحيح أيضًا أنه طغى علينا شعور بأن كل ما نراه قبيح، وبدا أننا فقدنا إحساسنا بكل ما هو جميل، وأننا أصبنا بشيء من قسوة القلب وجفاف العاطفة.. كل هذا صحيح، لكن كما قلت لن يغير من أصالتنا ولا من خصائصنا كشعب قام بثورتين عظيمتين..
شعب مصر يحتاج إلى من يحنو عليه، يربت على كتفه، يقترب منه، يشاركه همه وفرحه.. أبسط الأشياء تفرحه وتدخل السرور على قلبه.. آماله محدودة وأمانيه متواضعة.. التوسط والاعتدال من خصائصه، لكن ليس في المشاعر، فهو إذا أحب، يحب بجنون، وإذا كره، يكره بشدة وقسوة.. مصيبته كانت دائمًا في حكامه ونخبه، وقواه التي لم تكن حية (!).
اليوم وغدًا يذهب المصريون إلى لجان الاستفتاء ليدلوا بأصواتهم على مشروع الدستور.. أتوقع أن يتجاوز الحضور ٦٠٪ ممن لهم حق التصويت، أو ما يعادل ٣٥ مليونًا.. وأتوقع أيضًا أن نسبة من سيقولون "نعم" يمكن أن تتجاوز ٧٠٪، أو ما يعادل ٢٥ مليونا أو يزيد.. هذه النسب والأرقام تفوق بكثير نظائرها في الاستفتاء على دستور ٢٠١٢، إذ يكفى أن يقال إن الذين قاطعوا هذا الاستفتاء كانوا ٣٥ مليونًا من المصريين، وهو رقم كبير للغاية.. وبقدر ما سيكون الإقبال كبيرًا وحاشدًا، ونسبة من سيقول "نعم" كبيرة، بقدر ما سيعكس ذلك رغبة المصريين في مدى جديتهم في بدء نظام دستورى جديد وحياة جديدة مختلفة تمامًا عما سبق..
الشعب المصرى يجب أن يشارك في صنع مستقبله بالإقبال على لجان الاستفتاء.. هذه هي الخطوة الأولى في بناء مصر، وهى من قبل ذلك خطوة ضرورية ولازمة لإيقاف مسلسل الدم والتخريب والتدمير ومحاولة هدم مصر.. لنعلم يقينًا أنه لن يكون هناك تطبيق للشريعة على بقايا وطن..