رئيس التحرير
عصام كامل

من كنترول التاريخ: الشعب يقول نعم


قارب عدد الاستفتاءات الشعبية في التاريخ المصري الخمسة وعشرين استفتاءً، منذ أن أجرِي أول استفتاء رسمي في شهر يناير عام 1956 ، وكانت "نعم" هي نتائجها المُعلّنة كلها، بموافقة غالبية جموع الشعب الذين أدلوا بأصواتهم فيها، وكانت إدارة هذه الاستفتاءات تُجرى فعلياً بمعرفة الحكومات وأجهزتها الأمنية، وما كان إشراف القضاء إلا صورياً أو غير مكتمل، لأن النظام لم يكن يُفسح للقضاء المجال ليُدير المسألة بشفافيته وحياده المعتاد.

حتى جاء العام 2005 والاستفتاء الشهير على تعديل المادة (76) من دستور 1971 في حين أن جميع الاستفتاءات التي سبقت ذلك كان العنصر القضائي في الإشراف على أغلبها عنصراً شكلياً من خلال مجموعة من اللجان العامة التي كان إشرافها صورياً بخلاف مبدأ الإشراف الفعلي للقاضي على كل صندوق انتخابي المعمول به حالياً، واستطاع القضاء أن يُشرف على هذه الاستفتاء بمعاونة أعضاء من الهيئات القضائية، ويعد الاستفتاء المزمع إقامته اليوم هو الخامس على التوالي الذي تخضع إجراءاته للإشراف الكامل من قِبل القضاء والهيئات القضائية، منذ الاستفتاء الذي أُجري في شهر مايو عام 2005 .

إن موضوع عدم الإشراف الفعلي للقضاء على الاستفتاءات المصرية حتى العام 2005 واستخدام السلطة التنفيدية الموالية للنظام السياسي الحاكم خلال هذه العقود لكل وسائلها وعناصرها في التعامل مع هذه الاستفتاءات بشكل يبدو وكأنه قانوني كامل، هو ما يُفسِّر تصدُّر كلمة "نعم" لمشاهد النتائج النهائية لتلك الاستفتاءات، وفق ممارسات حكومية وشرطية وأمنية وضعت خبراتها المتراكمة عبر العقود في تزوير الانتخابات البرلمانية تحت أمر النظام الحاكم وأهوائه ورغباته، وكانت تتم بصورة فجَّة يمكن استبانتها الآن من تأمل نتائجها التي قارب نسبتها التسعين بالمائة، ولا يختلف في هذا عصر عبدالناصر أو السادات أو مبارك، فكلهم في تزوير الإرادة الشعبية واحدون! والغريب أن الشعب كان يستكين في تصديق هذا دون أي انتفاضات تُذكر، بل وصلت سلبية نسبة غير قليلة من الشعب إلى مقاطعت هذه الاستفتاءات يأساً من امتلاء صناديق الاقتراع بالأصوات الموافقة بهم أو بدونهم! وهو ما وضح عكسه جلياً في نسب حضور الاستفتاءات الأخيرة وإعلان نتائجها التي لم تصل كلية إلى نسبة التسعينات المفزعة.

وأنه من أهم الأسباب الأخرى للزحف التوافقي على الاستفتاءات الشعبية المصرية وخصوصاً الاستفتاءات الأخيرة، طبيعة الشعب المصري المطحون اقتصادياً واجتماعبياً وصحياً وحبه لاستئثار السلامة عن المشاحنة كنوع من تسيير أحوال البلاد، الذي يُكمل اعتقاده بأن ذلك يجلب بالمستقبل الأجمل بالأماني والأحلام الأفضل! وعلى الرغم أن الشعب يكتشف عقب كل استفتاء خدعة تصوراته في هذا الشأن، لكنه يعود مُكرراً المسألة من جديد في الاستفتاء التالي دون تحسُّب أو اتعاظ! لكن الأمر يزداد نوراً كلما ازدادت تجارب هذا الشعب البسيط الجميل وثقافته، فأضحت نسب النتائج النهائية تقل تدريجياً في الاستفتاءات الأخيرة عن سوابقها، حتى بلغت أدناها على الإطلاق في الاستفتاء على دستور 2012 ، إلا أنها تتفق في النهاية على تغليب الموافقة، وهو ما أتوقعه من ذات الشعب في استفتاء اليوم إنشاداً للاستقرار المرجوّ والمستقبل الحالم الآمل.

حمى الله شعب مصر، وهداه إلى الوصول في هذا الاستفتاء إلى الصراط القويم الذي يُصلح حال البلاد والعباد.
الجريدة الرسمية