رئيس التحرير
عصام كامل

موعد مع مصر


اليوم تقف مصر في طابور اختيار المستقبل، واليوم أيضا يذهب المصريون إلى صناديق الاستفتاء على دستور 30 يونيو و25 يناير، لإثبات أن قطار التقدم لابد أن ينطلق بهذا البلد بعد تلكؤ سنوات طويلة، بل والعودة إلى الخلف، قبل إجباره على دخول مخازن التكهين على يد جماعات ظنت أن الوطن بلا شعب، فتكالبت على تمكين الأهل والعشيرة، على حساب هدم عمد الدولة ومؤسساتها المتوارثة عبر الأجيال.


لا يحتاج المرء كثير عناء ليرصد الفرق الهائل بين دستور عبث بهوية الدولة، وهمش النساء وزاد فقر الفقراء، ودستور وضع العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية في مقدمة أولوياته، فجاءت الوثيقة التي بين أيدينا اليوم خلاصة مجهود فكرى لقامات مصرية مخلصة، عكفت على تقديم خلاصة تجارب الأمم والشعوب في وضع مواد تخلق توازنا بين السلطات، وتنادي بالمساوة والعدل بين جميع أبناء الوطن.

وعلى سبيل المثال، وفي الديباجة التي هي جزء لا يتجزأ من مشروع الدستور، تؤكد أن "مصر هبة النيل للمصريين، وهبة المصريين للإنسانية. مصر العربية، بعبقرية موقعها وتاريخها، قلب العالم كله، فهى ملتقى حضاراته وثقافاته، ومفترق طرق مواصلاته البحرية واتصالاته، وهى رأس أفريقيا المطل على المتوسط، ومصب أعظم أنهارها: النيل "هي مصر " وطن خالد للمصريين، ورسالة سلام ومحبة لكل الشعوب".

القراءة المتأنية أيضا للوثيقة المستفتى عليها، تجعلنا نلمس إلى أي مدى سدت الطرق أمام المتلاعبين بالعقول ممن حاولوا الإيحاء بأن مشروع الدستور لا ينتصر للشريعة الإسلامية، فنصت المادة الثانية على أن " الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع."

واحتراما لأصحاب الديانات السماوية الأخرى نصت المادة الثالثة على أن "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية".

وفي الحقوق والحريات والواجبات العامة " الباب الثالث" نجد في المادة 53 "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر".

كما كفلت المادة 65 حرية الفكر والرأى فلكل إنسان "حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر". وتلتها المادة 66 بالنص على حرية البحث العلمى والتزام الدولة برعاية الباحثين والمخترعين وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها.

أما المادة 67 التي أكدت على كفالة حرية الإبداع الفنى والأدبى ، فقد حاول البعض خلق فتن وحروب جانبية عما أسموه حرية "السداح مداح " في محاولة فاشلة للنيل من حق المبدعين وأصحاب الفنون الجادة التي ترقي الذوق العام، وتمنع القبح عن عيون ووجدان المصريين في رعاية الدولة لإبداعاتهم، بالإشارة الخبيثة إلى بعض الأعمال الهابطة باعتبارها إبداعا.

باختصار ومن دون الخوض في المزيد من التفاصيل في مواد الدستور، رغم أهميتها، أجد نفسي واقفا في صف من قالوا "نعم" لأول مرة، بعد سنوات طوال من الوقوف في خندق من قالوا "لا" من أجل أن تعبر بلدنا واحدة من فتراتها التاريخية الصعبة، وأن نتمكن جميعا من اجتياز تحديات نتمنى أن نكون كمصريين قادرين على النهوض بمسئولياتها، سعيا لغد الأفضل.
الجريدة الرسمية