رئيس التحرير
عصام كامل

لا تقرءوا هذا الكتاب


ومشكلة الكاتب الصحفي «أكرم القصاص» أنه لا ينسى حال كونه ابنَ الستينيات؛ فهو لا يمضي على ما يمر بنا من أخبار أو قصاصات مرور الكرام مع أنه «أكرم» ولا ينسى أبدًا حكاية الستينيات فهو ينزل الألفية الثالثة بكل ما تحمل من متناقضات منازل الستينيات؛ لذلك ستجده مدهشا ومندهشا، غضا وناضجا، ساخرا وجادا في كتابه الجديد القديم «عولم خانة» الذي أصدره منذ ساعات ومنحني لأول مرة في تاريخ حياته كتابا مجانيا؛ وهو الذي أصدر ثلاثة كتب مزعجة من قبل دون أن يهديني واحدًا منها، مما كلفني عناء البحث عنها وعناءً أكثر وهو الدفع طبعا.

و«عولم خانة» سباحة رشيقة في أخبار وتقارير يمدها «أكرم» بإكسير السخرية المُرّة، عندما يضع لك روشتة لمواجهة الاكتئاب؛ فيصيبك بحالة من الاكتئاب المدهش، اكتئاب الهروب من الاكتئاب بمجموعة إجراءات أتصور أن خارطة الطريق أسهل منها، ولن أحدثك عن الرشاقة عندما يصورها القصاص في كتابه الجديد، أو قصتنا مع شراء الوهم، فأنت تدفع لتشتري شيئا يقال لك: إنه مجاني. وميزة «أكرم» أنه حساس جدا عند الدفع!!.

ومواصفات الإنسان العولمي التي يضعها المؤلف بين دفتي كتابه تشريح هزلي يحوله أكرم إلى حالة من حالات المتعة ضد النفس، نعم فأنت تستمتع بما تجرأ وخطه رغم أنه يتطابق مع حالتك الجديدة كإنسان عولمي متوافق مع العصر الذي فرض عليك فرضا رغما منك ورغما عنك ودون طواعية ستضحك وتضحك ثم تكتشف أن المؤلف ورطك ورطة من النوع الخروبي لأنك تضحك على نفسك.

ولأنه ستيني النزعة والهوى فقد وضع كتابا كبيرا وضخما في مائتين وأربعين صفحة مستخدما «فُنْط تسعة» الذى كنا قد عهدناه في ثلاثينيات عمرنا قبل أن نتزاور طبيب العيون وخبير العدسات وفناني الصبغات، كل ذلك حتى لا يدفع للمطابع حق بضع أوراق زيادة؛ ولأنه أيضا ستيني الهوى فقد آثر أن يضع لكل فصل مقدمة مخترعا من نفسه وَصِيًّا علينا، يقدم لنا ما يتضمنه الفصل وكأنه لا يزال ممسكا بـ«المنافيستو» يعلمنا كيف نقرأ وكيف نفهم كدليل مطالعة!!.

وأحلى ما في ذلك الكاتب القديم أنه لا يزال يمسك بأطراف الضحكة يطلقها أينما شاء وحينما يريد هو لا القارئ، وإذا ما أراد أن يقلبها «ضلمة» فحدث ولا حرج، غير أن «ضلمته» نور ينبعث من قلم صحفي ماهر، ونكاية فيه فإني أوصيكم بعدم شراء الكتاب على أن وصيتي تضمن لكم قراءته، وذلك بالاستعارة من الهيئة العامة للكتاب وذلك بالمجان، إذ إن أمثال «أكرم» لو اغتنى فإنه سيفقد نصف موهبته في الكتابة المتأنقة، الشقية، الطازجة، المتمردة… أرجوكم لا تقرءوا هذا الكتاب!!
الجريدة الرسمية