ليلة الذبح الشرعي لـ "إبراهيم عيسى"!
أربعة مواقف علي الأكثر جمعتنا بإبراهيم عيسي في حياتنا كلها.. لعل أبرزها قصة تسليمه لشريط فيديو خطير جدا -وكنا وقتها معا في جهود الإغاثة لشباب الحزب الناصري لمواجهة زلزال التسعينيات الشهير - ليفجر ما فيه حيث كان وقتها صحفيا شابا مشهورا معروفا وكنا في بدايات عملنا الصحفي ولم يتسلم الشريط ولم نلتق بعدها أصلا.. والثانية مداخلة علي قناة الجزيرة عام 2000 وكان هو ضيفها في مناظرة عن حقوق الإنسان في مصر.. وللقصة تفاصيل مثيرة -سنرويها كاملة مع تفاصيل أخرى في كتاب سيصدر قريبا- حول ترتيب المداخلة من صحفي كبير لإحراج عيسي إلا أننا لم نقل إلا ما يرضي ضميرنا.. وتحدثنا عن حقوق الإنسان في الإسلام وانتهت المداخلة بالاتفاق علي كل ما جاء فيها.. بما في ذلك المتعاركون في برنامج "الاتجاه المعاكس" الشهير وأولهم عيسي نفسه!
خلاف ذلك فليس بيننا أي اتصال مباشر أو حتي غير مباشر ولم أتشرف بالعمل معه في أي مكان.. ولم أتشرف بالالتقاء به لأي سبب آخر في أي مكان آخر.. بل بالعكس.. كنا نستعد للتضامن ضده مع صحفيي جريدة التحرير الذين فصلوهم دون تعيين في ظلم كبير تعرضوا له!
لكن.. ها هي الفرصه تأتي علي الطبطاب لخصوم إبراهيم عيسي للنيل منه.. ها هي الفرصة تتاح لهم لذبحه ذبحا شرعيا بعد عجزهم عن ذبحه ذبحا غير شرعي.. إنه لا يهاجم الارهاب هذه المرة.. إنه لا يهاجم تفجيرا هنا أو قتلا هناك.. ولا يكشف تقصيرا هنا أو فشلا هناك.. إنما - ووفقا لتسريباتهم الأولية - يمدح مبارك ويتهم شباب الثورة وينكر قتل الثوار!!
إنها الاتهامات التي ستغري وتشجع غير مؤيدي الإخوان بالهجوم الكاسح علي عيسي.. والانضمام بغير هدى ولا ترو ولا تعقل إلي حملة الإخوان ضده.. ومعهم الحلف الصريح والعلني مع شباب 6 إبريل وغيرهم.. لم يتوقع أحد أن تتسع الحملة العنيفة التي بدأت حتي قبل انتهاء شهادته أمام المحكمة لتشمل أصدقاء له ومؤيدين لرؤيته للموقف السياسي.. وتشمل أيضا خصوما للجماعة الإرهابية وهم علي النقيض منهم جذريا فكانوا معهم وبكل الوضوح الممكن في معسكر واحد!!
الآن.. أصبح الرجل الذي تصدي بكل قوه لنظام مبارك بكل ما فيه من جبروت.. "منافقا" لنظام مبارك بعد أن أصبح مبارك نفسه خارج السلطة ونظامه في السجن أو في ذمة التاريخ!!!!
الآن يصبح الصحفي الذي طارده نظام مبارك في كل مكان.. ليمنعوه من العمل في كل مكان ذهب إليه بعد أن أغلقوا جريدة الدستور حتي إنهم أغلقوا صحفا تصدر بتراخيص أجنبية حتي لا يرأس تحريرها.. وهددوا رؤساء أحزاب بالتحريض علي الانشقاق ضدهم فيها إن استعانوا بعيسي رئيسا لتحرير صحيفة الحزب.. وظل عيسي بلا عمل سنوات ولم ينفعه أحد ولم يشفق عليه أحد!
اليوم يصبح هو - هو - منافقا يبيع شرفه وشهادته حراما في حرام !! الآن.. يصبح إبراهيم عيسي الذي خرج ليشهد المشاهد كلها ضد نظام مبارك.. منافقا لأنه فقط - فقط - قال ما رآه هو وليس ما رآه غيره.. منافقا لأنه شهد بما شاهده هو وليس ما شاهده غيره!
الآن.. ينسي الجميع اتهاماتهم الأشهر الماضية للإخوان بأنهم وراء "الجمل" والعنف وقتل المتظاهرين.. لأن من يشير باحتمال ذلك من بعيد - مجرد احتمال من بعيد - هو إبراهيم عيسي المطلوب ذبحه من الإخوان.. ومن حلفاء الإخوان.. والمتضررين طولا أو عرضا من بعض مما يقوله عيسي ويتبناه في برنامجه!
اليوم يصبح الرجل الذي كان من بين الذين أسقطوا مرسي منافقا! وهو الذي لم يمدح نظاما قط.. وهو الذي يقول شهادته ليس طمعا - فيما نري - في ذهب المعز ولا خوفا - فيما نري - من سيف المعز.. فلا ذهب موجود الآن ولا سيف بل ولا حتي المعز!
أتفهم جدا - ككل مرة - أن يهاجم الإخوان إبراهيم عيسي.. هذه معركتهم وهو خصمهم وهذا حقهم بل وهذا منطق الأشياء.. أما المدهش فهو انطلاق خصوم الإخوان ليقدموا لهم من جديد تبرعا مجانيا لا يستحقونه ولا يستحقه عيسي منهم.. في سلوك جماعي اندفاعي يتأخر فيه العقل لتتقدم الحناجر.. ويتباطأ فيه الاستيعاب ليتقدم فيه الصراخ مع الصياح.. ليحاولوا ذبح رجل يترفع عن المعارك ضد من تركوا عروشهم بعد أن واجههم في عز جبروتهم.. وواجه فيه أهل الجبروت وهم في عز سلطانهم بعد أن مدحهم وهم في السجون..!!
يحاولون ذبح رجل من أجل شهادة يراها هو - هو - أنها حق.. أقسم يمين الحق أنها حق.. ولن يحاسبه عليها إلا الحق.. فهو وحده علام الغيوب وهو وحده الأعلم بما في الصدور!