ننشر نص كلمة الرئيس في ذكرى الاحتفال بالمولد النبوي.. «منصور»: الرسول أسس لمبدأ الشورى ولم ينفرد يومًا بالحكم.. كونوا على قدر المسئولية وتوجهوا إلى صناديق الاستفتاء.. المجتمع أحوج ما يكون إل
القى رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عادلى منصور كلمة بمناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف، قال فيها "نحتفل اليوم معًا بذكرى المولد النبوي الشريف.. ميلاد خير الأنام.. رحمة الله للعالمين.. سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين.. نعمة الله التي وهبنا إياها.. فأضاء به ظلمات النفوس.. وغير وجه الدنيا.. وبث قيم التوحيد والتكافل والمحبة للجميع في شتى بقاع الأرض.
لم تكن رسالته صلى الله عليه وسلم عنتًا في الفهم ولا مجافاة للفطرة ولا ثقلًا في النسك ولا صدامًا مع المنطق... بل كانت كما أرادها الله تعالى انتصارًا للحكمة، ويسرًا في الوصل مع الخالق، وسعادةً للبشر متى استحضروا مقاصدها قبل أن ينشغلوا بظاهر نسكها.
امتدحه الرب الكريم من السماوات العُلَى فأثنى على خلقه القويم.. "وإنك لعلى خلق عظيم".. إن احتفالنا اليوم بذكرى مولده الشريف إنما يدعونا إلى تدبر سيرته العطرة.. والتأسي بأخلاقه الكريمة.. فهو القائل "إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق".. قالت عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها "كان قرآنا يمشي بين الناس".. وربط الله اسمَه الأعظم باسم الحبيب محمد في شهادةٍ هي الركن الأول من أركان ديننا الحنيف.. فأكرِم به من تشريف.. وأنعِم به من تعظيم.
ــ الإخوة المواطنون..
ــ شعب مصر العظيم..
لنتخذ من ذكرى ميلاد الحبيب العطرة، بداية جديدة.. ونعاهد الله أن نكون على دربه القويم.. أن نقتدي بآدابه وأخلاقه.. بكماله وصفاته.. برحمته وعظمته.. فحب نبينا الكريم.. لا يجب أن يكون قولا يجري على اللسان وإنما يتعين أن يصدقه العمل.. أن يقر في القلب.. أن يترجمه العقل إلى موجودات محسوسة.. وأفعال ملموسة.
ــ الإخوة والأخوات..
علمنا ذو الخلق الرفيع.. صلى الله عليه وسلم.. الحرية اعتقادًا وقولًا وعملًا فيما بلَّغَ به عن ربه "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".. وفسر لنا مراد الحق سبحانه وتعالى منا.. في العبادة وعمارة الأرض.. في الأخلاق والمعاملات.. وعظم نبينا الهادي حرمة النفس.. تنفيذًا لمُحكم التنزيل.. وأنه "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".. إلا أن هناك من لم يع صحيح الدين وتعاليم رسولنا الكريم.. فأخطأوا فهم ديننا الحنيف وأساءوا تفسيره.. وهجروا وسطيته واعتداله.. واستحلوا حرمة الدماء.. حتى دماء بني وطنهم المصرية.. سواء كانت لمسلم أو لمسيحي.. استبدلوا تعاليم الشريعة الغراء وسنة رسول الله.. بأفكار متطرفة.. وآراء جامحة.. فأعملوا آلة القتل في بني وطنهم.. في النفوس.. التي حرم الله قتلها إلا بالحق.. أردد لهؤلاء الذين انحرفوا عن الفطرة السوية قوله تعالى "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم".. كما أُذكرهم بحديث الرسول الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ "كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وماله وعرضه".
أسس الهادي البشير لمبدأ الشورى.. تنفيذا لقوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم".. لم ينفرد يومًا بحكم.. ولم يتعصب أبدًا لرأي.. وإنما كان ودودًا منصتًا للجميع.. لم يدعِ يوما الحكمة الكاملة.. وإنما كان يقول "أنتم أعلم بشئون دنياكم".. وكانت تعريفاته لمختلف المفاهيم هي عين الفطرة السليمة.. التي يتفهمها الجميع أيا كانت اختلافاتهم.. أو بيئاتهم.. فهو من قال "البر.. حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس".
ــ بنــي وطنــي..
تتعرض بلادنا لهجمة شرسة.. داخلية وخارجية.. تستهدف النيل من مقدرات هذا الوطن.. وتضمر الشر لشعبنا العظيم.. فنرى يد الإرهاب الغاشمة تضرب هنا وهناك.. تزهق أرواحا طاهرة نقية.. ونفوسا بريئة مؤمنة.. توقن أنه لن يصيبها إلا ما كتب الله لها.. إننا أحوج ما نكون اليوم إلى تفعيل قوله صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالما أو مظلوما".. وإذا كان نصر المظلوم برد حقه.. فنصر الظالم إنما يكون بردعه عن ظلمه.. ورده عن غيه.. يدُ الأمن ستكون حازمة قوية.. لتصون الحقوق.. وتعيد استقرارا وأمنا طالما ألفه وطننا الحبيب.. النصر قادم لا محالة.. "أُذن للذين يقاتَلون بأنهم ظُلموا، وإن الله على نصرهم لقدير".. وأقول لأبنائي من رجال الشرطة البواسل.. والقوات المسلحة خير أجناد الأرض.. إن الله معكم في زودكم عن وطننا وشعبنا.. فعينان حرمهما الله على النار.. عين بكت من خشية الله.. وعين باتت تحرس في سبيل الله.
وإلى حماة الوطن من الدعاة والأئمة في مواجهة قوى الظلام والتخلف، أقول أن الدولة لن تألوا جهدًا في دعم الأئمة وفي توفير المناخ المناسب لادائهم للدور المرجو منهم في المرحلة القادمة من تاريخ مصر لدعم الخطاب الديني الوسطي.
ــ الإخــوة المواطنــون..
إن مفهوم الجهاد في الإسلام.. سيظل قائما باقيا.. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاهد وصحابته الأخيار.. دفاعًا عن هذا الدين ونشره.. وبث قيمه النبيلة السامية فإن استكمال المسيرة.. واجب علينا.. سنكمل المسيرة بإذن الله.. مسيرة الجهاد.. جهاد النفس.. الذي وصفه الحبيب ــ صلى الله عليه وسلم ــ.. فقال"هو الجهاد الأكبر".. نعم جهاد النفس.. بتهذيبها.. بنهيها عن الرذائل.. بتعويدها الفضائل.. بتدريبها على طاعة الله.. والسمو على أي مآرب شخصية أنانية.. أو مصالح حزبية ضيقة.. إنه جهاد من أجل الوطن.. من أجل العمل والبناء.
فكونوا على قدر المسئولية.. زودوا عن وطنكم.. ادفعوا عجلة إنتاجه.. أضيئوا دربه.. وأكملوا مسيرته.. "فمن بات كالًا من عمل يده، بات مغفورا له".. واليد الخشنة من أثر العمل.. إنما هي يد يحبها الله ورسوله.. أما تلك التي تزهق الأرواح.. وتسفك الدماء.. فلها في الدنيا عقاب.. وفي الآخرة خزي وعذاب شديد.. "ولعذاب الآخرة أكبر، لو كانوا يعلمون".. ألا يعلم أولئك أن ما يرتكبونه بحق وطنهم وأشقائهم في الدين والوطن.. إنما هو عين الظلم..
الذي قال عنه نبينا الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ في حديث قدسي رواه عن رب العزة جل وعلا "إني حرمت الظلم على نفسي.. وجعلته بينكم محرما؛ فلا تظالموا".
ــ أبناء الشعب المصري العظيم..
إن الكلمة أمانة.. عظمَ دينُنا من شأنِها.. ونبهنا إلى أهمية رعاية هذه الأمانة وتأديتها على الوجه الذي يرضيه ــ سبحانه وتعالى ــ عنا.. وكما قال صلى الله عليه وسلم "إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة ــ مِنْ رضوان الله ــ لا يُلْقِي لها بالًا، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة ــ من سَخَط الله ــ لا يُلْقِي لها بالًا، يهوي بها في جهنم".. ومن هذا المنطلق فإن مجتمعنا اليوم في أحوج ما يكون إلى تجديد الخطاب الديني.. تجديدًا واعيا مسئولا.. لا يحيد عن جادة الصواب.. يتخذ من الكتاب والسنة منهلًا أساسيا لفحواه.. ويحفظ قيم الإسلام وثوابته.. ويدعو إلى نشر تعاليمه السمحة النبيلة.. يقضي على الاستقطاب الطائفي والمذهبي.. ويعالج مشكلة التطرف.. والفهم المغلوط أو المنقوص للإسلام.. وأقول لكم عن مودة صادقة..استقوا صحيح الدين من أهله وعلمائه.. فللفقه أصوله.. وللتفسير أساتذته مصداقا لقوله عز وجل "فأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".
ــ بنـــي وطنـــي..
إن الله سبحانه وتعالى... وهبنا نعمة العقل.. التي ميز بها الإنسان وشرفه على سائر مخلوقاته.. وجعله مناط التكليف.. ودعانا إلى إعمال العقل والبحث والتدبر في ملكوت السماوات والأرض.. وما حواه من دقة في الصنع.. وإبداع في الخلق.. وإحكام في النظام.. وحملنا أمانة.. أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها.. وفرض علينا أن نصون هذه النعمة المميزة.. والمنحة الفريدة.. ونهانا عن أن نسيئ إليه بخرافات وأوهام.. أو أن نتبع أفكارًا هدامة.. بتعصب أعمى.. أو بانقياد مُذِل.. أو بانصياع يسلبنا إرادتنا.. وقدرتنا على.. التفكير والإبداع.. والعمل والإنتاج.
لكل المصريين أقول.. اعطوا نعمة العقل التي منحكم الله إياها حقها الواجب.. وتقديرها اللائق بحكمة الخالق.. واعلموا أن الإسلام الصحيح.. الوسطي المعتدل.. إنما ذمَ التقليد الأعمى.. ودعانا إلى الاجتهاد في شتى مناحي الحياة.. فقال صلى الله عليه وسلم "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر".. كما قال الهادي البشير "لا يكن أحدُكم إمعة".. فلا أحد منا يمتلك قداسة الحق.. أو سلطان البرهان.. إنما هو اجتهاد نبتغي به وجه الله ومرضاته.. وكما قال إمامنا الشافعي ــ رضي الله عنه ــ "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
ــ الإخوة المواطنون..
نتوجه بعد غد ــ إن شاءَ اللهُ ــ للإدلاء بأصواتنا في الاستفتاء العام على مشروع الدستور.. الذي اتخذنا من مبادئ شريعتنا السمحة فيه أساسا للتشريعات المنظمة لحياتنا.. يحترم الشرائع الأخرى.. ويحفظ للجميع حقوقهم وحرياتهم.. ويؤسس لدولة عصرية حديثة.. تواكب حاجات الحاضر ومتطلبات المستقبل.. وتستشرف أملا واعدا لكافة أبنائها دون تفريق أو تمييز.. أدعوكم بدافع من مسئولية وطنية واجبة.. وحرص على حاضر هذا الوطن العظيم ومستقبله.. أن تتوجهوا إلى صناديق الاقتراع.. صوتكم أمانة فأدوها.. اصنعوا لوطنكم مستقبلا يليق به.. اضربوا للعالم مثلا في التحضر والالتزام.. قولوا كلمة حق تقود سفينة الوطن إلى بر الأمان.
فلنخرج جميعا بعد غد.. كما خرجنا في الخامس والعشرين من يناير
2011.. وفى الثلاثين من يونيو.. والثالث من يوليو.. والسادس والعشرين من يوليو 2013.. لكى نكمل ثورتنا كما أردناها.. بدستور يكون هوأول انطلاقاتنا نحو دولتنا المدنية الديمقراطية الحديثة.. وليس آخر محطاتنا فيها.. دولة ترعى كل أبنائها وتحمى مقدراتهم وقدسية حياتهم وحرياتهم.
ــ بنـــي وطنــــي..
اِعلموا أن إقرار هذا الدستور الجديد سيمهد الطريق لخطوات جادة وثابتة على طريق تحقيق الديمقراطية وإنجاز البناء التشريعي لمصرنا الحبيبة.. سيكون لهذا الوطن رئيس منتخب.. أسلمه راية الوطن ليقوده على درب النجاح والرفعة والازدهار.. وأدعو الله أن يستلهم هدي نبينا الحبيب قائدا عظيما.. ومعلما أمينا.. وأبا رحيما.. يعي ويطبق قوله تعالى"ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك".. كما سيكون لمصر أيضا مجلس نيابي منتخب.. يحقق مبدأ الشورى الإسلامي.. بمفهومه الحديث المعاصر.. ويضع لهذا البلد الطيب.. قوانينه المنظمة.. وتشريعاته الحاكمة ليدور في فلك الاستقرار والأمن والرخاء.
ــ شعب مصر العظيم..
اجعلوا هذا اليوم العظيم موعدا لعهد نقطعه على أنفسنا لرسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – أن نحفظ عقولنا من أي فكرٍ متطرف منحرف.. يرغب في أن يجرفنا بعيدا عن صحيح الدين.. ويريد أن يلغي مفهوم الوطن وأن يزيل حبه من نفوسنا، كيف؟!!.. وقد لقننا الحبيب درسا في حب الوطن لدى هجرته؛ فقال مخاطبا مكة: "والله إنني أعلم أنك أحب البلاد إلى الله، وأحبُ بلاد الله إليّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت".
ــ الإخوة والأخوات..
سنبذل أرواحنا فداء لهذا الوطن.. وسنحسن الظن بالله كما علمنا حبيبنا المصطفى ــ صلى الله عليه وسلم ــ.. نوقن أن نصر الله آتٍ قريب.. وسنظل دائما متفائلين لنجد الخير.. وإنني أدعو الله بدعاء نبينا الكريم "اللهم رحمتك نرجو، فلا تكلنا إلى أنفسنا طَرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله، لا إله إلا أنت".