رئيس التحرير
عصام كامل

بوادر الطائفية الإدارية


قد يبدو العنوان غريباً، ولكنه قد بات واقعا لدينا نخشى من أن يتأصل بفعل الحالة السياسية التى تعيشها مصر ولا تقول الثورية، فمن المعروف أن مفهوم الطائفية Sectarian يأتى أو يحمل فى مضمونه التجزئة وهذه التجزئة قد تكون على أساس عرقى أو دينى ولكنها قد تكون أيضاً على أساس محلى أو إدارى أو على أساس موقف أو قضية معينة.. وهنا قد تأخذ الطائفية بعدا آخر أى جغرافى وقد نصبح أمام ما يعرف بمجتمعات الجيوب وذلك يحدث نتيجة فشل النظم السياسية فى تحقيق الاندماج والتواصل ما بين القيادة السياسية وما بين هذه المناطق والشعوب التى تقطنها والتى تنتمى إلى نفس الوطن.. رأينا ذلك بوضوح فى المناطق النائية بمصر والمهمشة التى محرومة من الخدمات من رعاية الدولة والتى عادة ما تبعد عن عاصمة الحكم أو مقر الحكم.. سيناء على سبيل المثال تعد أحد النماذج الهامة وكيف أن المجتمع السيناوى قد ظل محتفظا بعاداته وتقاليده وعاش حالة من الاغتراب alienation نتيجة تغريب النظام السياسى له، وفى وقت من الأوقات قد شعر بالتمييز أو اضطهاد النظام السياسى له وهو ما يجعل منه طائفة قد تبحث عن الاستقلال عن الدولة الأم وقد يصبح التقسيم بالنسبة لها والانفصال أحد الحلول المطروحة، رأينا النوبة وعدم التواصل الثقافى والسياسى والترابط بالدولة الأم أيضاً أحد الأسباب التى ترشحها للانفصال وقد تكون الأسباب ليست من القوة ولكن هناك من يغذيها من القوى الخارجية ذات المصالح والأهداف والتى ترى فيها مفاصل ضعيفة يمكن اللعب عليها.. وهنا نحن نتحدث عن الطائفية فى بعدها الجغرافى وليس الدينى أو العرقى على اعتبارها المظهرين الأساسيين للطائفية، وقد كان ما حدث فى بورسعيد من ذلك الحكم الذى لا يمكن التعقيب عليه فهو له مبرراته القائمة على أساس من القانون ولكنه لابد وأن نتوقف على تداعياته وكيف نظر إليه شعب بورسعيد المناضل والذى له تاريخه النضالى العريق والعظيم نظر إليه على أنه ينطوى على قدر من الاضطهاد لشعب بورسعيد، وهنا بدأت تلوح فى الأفق بوادر الطائفية ويمكن أن يصبح شعب بورسعيد أحد مجتمعات الجيتو وما يؤسف له فى النفس ما أعلنه أحد شباب بورسعيد الذى لا يمكن التشكيك فى وطنيته وذلك هو المؤشر الأكثر خطورة والذى لابد أن نلتفت إليه، فهو قد أعلن عن كفره بمصريته أى أنه قد أعتبر أن مصر شيئا وبورسعيد مدينته شىء آخر وأنه كان ينتمى إلى حزب مصر القوية وأعلن عن تخليه عن ذلك الحزب وأنه سوف يسعى إلى تشكيل حزب بورسعيد القوية.. ذلك ما لابد أن نلتفت إليه وهو أن مصر قد أصبحت على أعقاب التقسيم بغض النظر عن الأسباب التى أدت إلى ذلك وهى أسباب دفينة وعميقة مصدرها الإهمال وعدم التواصل الثقافى ووجود تلك الوثيقة التى تنصهر فيها هذه الثقافات المختلفة ما جعلها مهمشة منفصلة ويربطها بالدولة الأم سوى علم أو تاريخ باهت أو بدأ يضمحل بسبب التشويه فى مناهج التعليم التى قد يقوم عليها من هم ليسوا أكفاء ما حدث جرس إنذار يؤكد أن الحلم الاستعمارى القديم الحديث بدأ يرسخ أوتاده وتتثبت خطواته فهل نلحظ ذلك أم نستهين ونستخف كعادتنا.


الجريدة الرسمية