رئيس التحرير
عصام كامل

رأيتُ الله


قبل اندلاع ثورة 25 يناير بفترة قصيرة جدا، تعرض فضيلة العالم الجليل الدكتور "أحمد عمر هاشم"، رئيس جامعة الأزهر الأسبق لأزمة صحية عنيفة دفعت أطباءه إلى نصيحته باستكمال علاجه بالخارج، ولكن الدكتور "أحمد نظيف"، رئيس وزراء مصر الأسبق رفض بعناد غريب التوقيع على قرار علاجه على نفقة الدولة بل وسخر منه فى الوقت الذى لم يكن "نظيف" يمانع فيه من الموافقة على علاج أراذل القوم وزوجاتهم بأرقى المستشفيات العالمية من مال الشعب.

كما لم تُفلح استغاثات علماء ووسطاء كثيرين لإقناع "نظيف" بالموافقة على توقيع قرار علاج العالم الجليل بالخارج، وسمعتُ بعضهم يدعو على "نظيف" بسوء العاقبة، فيما استسلم "هاشم" للمرض قبل أن يمُنّ اللهُ عليه بالشفاء.
فى هذه الأثناء، هبّت على مصر رياحُ الثورة، فاقتلعت كثيرا من رموز الفساد وزجّت بعدد غير قليل منهم إلى السجن جزاءً وفاقا، فغدا أقوياءُ الأمس ضعفاء اليوم، لا ينالون عطفا أو إشفاقا من أحد.
وأمس كنتُ أصلى الجمعة فى مسجد السلطان أبوالعلا بالقاهرة، وفوجئتُ بالدكتور أحمد عمر هاشم يصعد فى همة ونشاط درجات المنبر، ليلقى خطبة عصماء مدح فيها النبى الكريم فى ذكرى مولده، ودعا المصريين إلى نبذ العنف، والعمل على استقرار البلاد.
وبدا الشيخ السبعينى، كأنه فى عنفوان شبابه، حضوره قوى، ذاكرته متقدة، لغته كما هى، رصينة، راسخة رسوخ الجبال، يُلهب مشاعر المصلين بصوته المتهدج الخاشع، وأسانيده وأدلته المدهشة.
سرحتُ بخيالى أثناء الخطبة، فى حال الرجل، قبيل الثورة، وحال نظيف، كيف كان الأول فى محنة مرضية مريرة، أما الثانى، فكان فى أوج سلطانه، تارة يتهم الشعب بأنه غير مؤهل للديمقراطية، وتارة يتعالى عليه ويعامله من برجه العاجى، بالقرية الذكية، ويعين أبناءه بها بمرتبات فلكية، ويرفض أن تتكفل الدولة بعلاج عالم جليل، مثل هذا الخطيب المُفوه والعالم النابغة.
وفور أن أنهى الدكتور "هاشم" الصلاة، قطعتُ الصفوف إليه، وحرصتُ على غير عادتى، على مصافحته، بل انحنيتُ على رأسه مُقبلا، ثم غادرتُ المسجد، متذكرا آيات قرآنية عديدة، تلامس هذا المشهد الربانى العظيم، منها:
"وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ"، "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، "فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن فى ذلك لآية لقوم يعلمون، وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون"..، فها هو "نظيف" فى غياهب السجن ذليلا مكسورا، وها هو "هاشم" لا يزال صوته يصدح فى سماء الحق، يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.. لقد رأيتُ الله حقا فى مسجد السلطان "أبوالعُلا"..


الجريدة الرسمية