رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا يغيب العدل عن المصريين؟


لقد فتحت "وثيقة الأزهر لنبذ العنف"، باب العنف على مصراعيه، لأنها تكلمت عن الحوار دونما تأكيد على العدل. فهى ساوت بين المُتحاورين بغير التأكيد على مبدأ مُحاسبة المُخطئين، الذين أحالوا حياتنا السياسية والاجتماعية على مدى العامين الماضيين إلى الفوضى. ولا يُمكن أن يصبح الحوار هدفا فى حد ذاته، ولكن الحوار يتم للوصول إلى غاية. فكيف أُحاور شخصا أراه مُجرماً فى حقى إلا إن كنت مستعداً إلى أن أبرر إجرامه ونسيان العدل الذى أُريده، وهو أمر مُستحيل؟!

وقبل تلك الوثيقة بأيام كان موعدنا مع قرار النائب العام المُعين من قبل مرسى، بضبط وإحضار عناصر مجموعة "بلاك بلوك". وكان "الهوى" غالبا على هذا القرار، حيث إن "حازمون" قد اعتدوا على الأمن العام من قبل وحاصروا مدينة الإنتاج الإعلامى، ولم يصدر من قبل النائب العام أى أمر بالضبط والإحضار لأى عُنصر منهم. كما أن ميليشيات الإخوان كانت قد قامت بالتعرض للمُتظاهرين عند الاتحادية فى أوائل ديسمبر الماضى، وفقاً لأوامر محمود غزلان واعترافاته على الهواء مباشرةً من خلال قناة الجزيرة، ولم نسمع أن النائب العام أصدر قراراً بضبطهم وإحضارهم!!
إلا أن هذا هو نتاج طبيعى "لمفهوم العدل" الذى صيغ على مدى العامين الأخيرين من قبل الثوار والإخوان معاً. فبدايةً، وعندما اندلعت تلك التى أُطلق عليها "ثورة 25 يناير"، بدأ الثوار يصنفون البشر وفقا لتأييدهم لفعلهم. فمن كان ضدهم وضعوه فى "قوائم سوداء"، تُشبه محاكم التفتيش فى العصور الوسطى فى فرنسا وإسبانيا، وبهذا قام من يقولون إنهم يريدون "الديمقراطية" بإقصاء الآخر، فقط لأنه ضدهم. وبالتالى أصبح ما يريدونه ليس رأياً ورأياً آخر، وإنما رأياً وحيداً، وكأن الأمر لوناً واحداً يحمل درجات متعددة له وفقط، دونما الألوان الأخرى فى الحياة!! أى أنهم صنعوا ديكتاتورية "مُقنعة" فى ثوب ضيق أطلقوا عليه لقب "ديمقراطية"، دونما أن يحمل محتواها!!
وتلك الديكتاتورية المُقنعة أوجدت "نفاقاً" غير مسبوق فى المجتمع لثورتهم تلك. وهو الأمر الذى أدى إلى تأسيس "فساد" جديد فى المُجتمع، من صُنع الثوار والإخوان معاً، حيث أصبح الصالحون هم من يؤيدونهم، ولو كانوا يفعلون هذا لمجرد أن يطهروا أنفسهم كشكل، رغم حملهم لمضمون فاسد!! فزاد الظُلم، لأن الفساد يلغى العدل!!
ثم كان استخدام مُصطلح "فلول"، الذى أُطلق أولاً على المسئولين ممن رأوا أنهم أضروا بالمواطنين بينما كانوا مسئولين فى النظام السابق. ثم وفى مرحلة لاحقة أصبح المُصطلح يشمل أى شخص لا تتفق آراءه مع ثورتهم تلك. وبالتالى، أصبح رأيهم هو الرأى الوحيد فى الدولة، وأصبحت هناك تصنيفات وفقا لوجهة نظرهم وهواهم فقط.
وبينما المُحاكمات لرجال النظام السابق تأخذ مجراها، إذ بالثوار وقادتهم ومنهم من يُفترض أنهم مُتعلمين، يقولون بأنه فى حال لم يحصل رجال النظام السابق على أحكام بالإعدام، سيعملون الفوضى فى البلاد!! والمأساة هنا، أن سياسيين أيضاً قالوا هذا الكلام، ولو أننا فى دولة تحترم القانون لتم إقصائهم من الحياة السياسية فى لحظتها، لأنهم لا يفهمون معنى كلمة قانون بدايةً، وتلك تؤخذ عليهم فى أى انتخابات مُستقبلية، ومهما مر من وقت!!
وكانت المصيبة، أن القانون الدبلوماسى الدولى تم انتهاكه فى واقعة انتهاك حُرمة السفارة الإسرائيلية فى القاهرة (والقانون لا يُفرق بين هوية السفارة حتى لو كانت لمن نكره، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام لرُسل مُسيلمة الكذاب: "لولا أن الرُسل لا تُقتل لضربت أعناقكم")، فإذا بالمسئولين حينها يمنحون من فعل هذا شقة هدية على ما فعل، بينما كان ما فعله انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولى الذى وقعّت عليه مصر!!
ثم وفى سابقة أكثر خطورة، إذا برئيس الجمهورية ينتهك القانون فى أكثر من مرة، وهو ما يجعل حديثه اليوم ضد من ينتهكون القانون حياله أمراً شديد البلاهة، لأن الرجل خرق القانون بدايةً، فكيف له ولمتحدثه الرسمى أو جماعته أن يتكلموا عن احترام القانون، بينما هم أصبحوا عنواناً لانتهاكه؟!
لن يتحقق العدل إلا إذا طُبق القانون!! وسيُحترم القانون عندما يحترمه رئيس الجمهورية وتحترمه جماعته، وذلك بالرجوع عن كل القرارات التى انتهكت ذاك القانون منذ تولى مرسى الرئاسة، وهو الأمر الذى لن يقوم به سواءً مرسى أو جماعته!!
أيضاً ستنجح الثورة أو ستتحول تلك الأحداث التى تُدعى "بثورة 25 يناير" إلى ثورة حقاً، حينما يُحترم القانون ويُقر العدل للجميع، سواء مع أو ضد الثورة، لأن المُفترض أن الثورة لكل المصريين، وليس فقط لبعضهم!!
إلا أن ما هو حادث حتى هذه اللحظة، هو أن تلك التى يطلقون عليها ثورة، كانت لبعض المصريين والسلطة أصبحت لبعض آخر من المصريين، أما الظلم فلقد كان للأغلبية القصوى من المصريين!! ولذا ستستمر الفوضى وانتهاك القانون، حتى يتم إقرار العدل وتوخى مصلحة مصر وجميع المصريين دون تمييز، بإخلاص ومصداقية، من قبل هؤلاء الذين لا يفكرون إلا فى مصالحهم هم، على حساب مصالح الأغلبية القصوى من المصريين!!
والله أكبر والعزة لمصر،
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية.
الجريدة الرسمية