رئيس التحرير
عصام كامل

التفرقة بين الحقيقة والرأي


يقع الكثيرون في خلط شديد، ما بين الحقيقة والرأي.. وربما ينبُع هذا الأمر عن شدة المُبالغة في الأوقات الفارقة.. فمع المُبالغة الشديدة، يأتي الكذب غير المُدرك حسياً لأن الإنسان يكون مُندفع الميول، ويقول وقتها بأمور دامجة بين الحق والباطل.. فإن ثبُت الباطل، لا يصبح البناء عليه حقا، ويتحول الدفاع عنه إلى عمل أخرق!!


وكمثال مُبسط للغاية: الحقيقة هي أن الشمس تشرق من الشرق.. ولا يُمكن أن يكون قول أي شخص بأنها تشرق من الغرب، تعبير عن "رأي"، ولكن اعتداء على الحق.. والحقيقة أيضاً أن الماء مكون من جزيئي هيدروجين وجُزيئ أوكسجين، ومن يقول أي شيء غير ذلك، يكون مُعتدياً على الحقيقة وليس مُتكلماً برأي.

وهكذا، فإن من يقولون إن مبارك ليس أول رئيس مدني منتخب لمصر، يعتدون على الحقيقة، ولا يقولون رأيا لأنه انتخب في أول انتخابات رئاسية تعددية في 7 سبتمبر 2005 وهو مدني من أصول عسكرية والدستور هو ما يُحدد مدنية أو عسكرية أو دينية الدولة.. والذين يقولون إن مصر كانت دولة عسكرية على مدى 60 عاماً، يعتدون على الحق، ولا يقولون رأياً.. ومن يقولون إن مبارك كان طاغية أو أنه ليس له أو لأي رئيس قبله أي إنجازات، يعتدون على التاريخ المصري بل يُمارسون تزويراً لصالح أعداء مصر!!

إن الإنصاف هو المُبتغى، والمُفترض أن المُعارضة أو التأييد لا يبتغيا شيطنة أحد وإنما الإصلاح بالتفريق بين الحق والباطل وهو أمر لا يتلون بمبالغة الأبيض والأسود، بل بتعدد ألوان طيف الاعتدال.. ومن يُريد أن يكون بطلاً، على حساب الحق، ظالم وليس أهلاً للعدل.. ولكل إنسان عيوب ومزايا، وليس على الأرض شيطان كامل ولا ملاك ظاهر، إلا في عقول مُدلسي الحقيقة، والقائلين إن الاعتداء عليها حرية تعبير!!

إن الحقيقة، هي أن مصر دولة مُعتدلة ولكن الديمقراطية ليست أحد مكونات ثقافاتها على مدى 7000 عام.. والقول بأن مصر ستُصبح بموجب أي وثيقة، ديمقراطية بين يوم وليلة، هو اعتداء على الحقيقة، وليس رأياً.. وقد استغلت جماعات إرهابية، الدين في البلاد وتاجرت به، ولكن الحقيقة أن الدين أحد مكونات مصر منذ أن جاء قُدماء المصريين بعقيدة البعث والخلود، فشهدت حتى الأهرامات على أن الدين في أرض الكنانة، هو مكون أصيل، استغله الكثيرون ممن أرادوا تغييب وعي الناس، منذ القدم وحتى الآن.

ليس من العلم تحويل الحقائق إلى آراء.. وقد يضحك الإنسان على من يقوم بذلك في أبسط الصور (مثل جهة شروق الشمس أو المكونات الكيميائية للمياه)، ويرى من يفعل ذلك مُزايداً أو مُتعمداً لخلق الفتنة، ولكن في الحقيقة، يقوم الكثيرون بهذا الفعل في أمور أكثر تعقيداً، مثلما ظهر على مدى السنوات الثلاث الماضية في دول ما أُطلق عليه "الربيع العربي"، ومن ضمنها مصر.

لقد تناولنا خلال الثلاث سنوات الماضية وما زلنا، الكثير من الحقائق على أنها رأي، وتم الاعتداء عليها بمُبالغات فجة، بدعوى التغيير للأفضل.. فتاه الناس وسط زحام الزيف وزاغت البصائر عن الحقيقة، حتى أصبح المناخ مُعبراً عن فوضى معلوماتية طاغية.

وقام الكثيرون بتزوير الحق بينما يدركون أنهم كاذبون، مقيدون بكذبهم، فكيف يكون من يخفي الحق حُرا أو مُطالباً بالحرية رغم عبادته للكذب؟! لقد كان ولا يزال، الاعتداء على الحقيقة، أسلوب حياة الكثيرين، إما بوعي منهم أو دونه.. ولكن في النهاية، الحق أحق أن يُتبع، وهو ما سنصل إليه في آخر المطاف..
وتحيا مصر الحق.
الجريدة الرسمية