عودوا إلى جحوركم .. ذلك أفضل عند الشعب
مع تقديرى للمستفيدين من نظام مبارك بمنطق "عدم إنكار الجميل"، ومع احترامى للمتعاطفين معه لأن " لحم أكتافهم من خيره"، ولأنهم حققوا فى عهده ثروات طائلة وتبوءوا مراكز اجتماعية مرموقة، لكن هؤلاء يخطئون ويسيئون التقدير إذا اعتقدوا أن ثورة أغلبية الشعب على نظام الإخوان، يمكن أن يمنحهم صك الغفران أو نسيان خطايا وجرائم نظامهم البغيض.
ما يحدث منهم الآن أشبه بالاصطياد فى الماء العكر، ذلك أن كل من ينتقد أو يشتم الإخوان ليس ثورجيا أو ثائرا أو نفض عن نفسه تهمة الالتصاق بنظام المخلوع، وأشبه بـ" البيض الفاسد الذى يطفو على السطح"، هم يطبقون المثل القائل "عدو عدوى يبقى صديقى"، دون إدراك أن هذا المثل لا ينطبق عليهم بعد أن لفظ الشعب نظامهم، تماما كحالة الزوجة التى ترى أن فشل طليقها مع زوجته الجديدة يعطيها مبررا لعودتها إليه من جديد، فالطلاق البائن قد وقع بين مبارك ورموز نظامه من جهة وبين الشعب المصرى بأكمله من جهة أخرى.
يخطئون عندما يتوهمون أن عداء نظامهم للجماعة الإرهابية وزجه بهم فى غياهب السجون والمعتقلات قبل 25 يناير 2011 قد يشفع لهم، لأن الحقيقة أن هذا العداء كان فى الظاهر فقط، وأن الجماعة الإرهابية كانت جزءا لا يتجزأ من هذا النظام.
حتى ضلوع أفراد حركة 6 إبريل - التى كانت أشعلت شرارة 25 يناير - فى أعمال قذرة من قبيل تلقى تمويلات من الخارج، أو تلقيهم تدريبات عسكرية فى دول أجنبية لزعزعة الاستقرار فى مصر، أو القبض على عدد من قياداتها ليس كافيا لمنح مشروعية عودتهم الى المشهد السياسى مرة أخرى.
بل إن أطروحات اليائسين و"الزهقانين" وأصحاب النفس القصير "الشاذة" بأن نظام مبارك كان أفضل حالا من الأوضاع المعيشية المتردية التى نعيشها الآن، ومقولات من قبيل "إنه حتى وإن كان نظام مبارك يسرق البلد وينشر الفساد، لكننا كنا نشعر بالأمان"، لا يمكن أن تكون كارت الإنقاذ لرموز نظامه، كما أن دعوات "إحنا آسفين يا ريس" و"أبناء مبارك" وغيرهم من المتعاطفين مع الرئيس المخلوع بالاعتذار له، لاتمنحهم قبلة الحياة.
صحيح أن الأيام أثبتت أن مبارك وأركان نظامه كانوا أكثر وطنية وخوفا على مصلحة البلد، من هذه الجماعة الإرهابية التى تحرق وتدمر الأخضر واليابس الآن عندما انسحبوا بهدوء ودون صدامات أو إراقة دماء، وصحيح أيضا أن نبوءة الفوضى التى نعيشها الآن توقعها مبارك فى أحد خطبه الشهيرة، وصحيح أن تقدم سن الرجل وكونه عسكريا شارك فى الحروب ضد العدو الإسرائيلى يدفع بالبعض إلى طرح فكرة العفو عنه، وصحيح أن الإخوان ركبوا وسرقوا واختلسوا وسطوا على ثورة 25 يناير فى وضح النهار.
لكن المؤسف أن عددا من أجنحة نظام المخلوع بدءا يتجرءون ويطلون بسحنتهم البهية متحدثين فى الفضائيات بعد أن كانوا مختبئين ومنزوين خلف الستار خجلا من جرائم نظامهم فى جلب القمع والفقر والمرض للشعب وتغييب الكرامة والعدالة. لا يوجد خصام بين 25 يناير و30 يونيو ولكن هناك معركة بين المضارين من الثورتين، طرفيها الفلول والإخوان، وأرضيتها المكاسب والخسائر وليس حب الوطن، لكننى أتصور أن الشرفاء والوطنيين فى مصر الآن هم المؤيدون للثورتين وليس الكارهين لإحداهما.
لرموز نظام مبارك الذين يراهنون على نعمة النسيان، أقول "عودوا إلى جحوركم .. فذلك أفضل عند الشعب".