قرار الببلاوي والاستفادة من الماضي
قبل نهاية العام المنصرم بستة أيام وتحديداً في الخامس والعشرين من ديسمبر تقمصت الحكومة المصرية دور "سانتا كلوز" الشهيرة في هداياه، حين أصدرت حكومة الببلاوي قراراً باعتبار جماعة "الإخوان" جماعة "إرهابية" وتنظيمها تنظيماً إرهابياً في مفهوم نص المادة 86 من قانون العقوبات بكل ما يترتب علي ذلك من عقوبات لمن يشترك أو يروج لها بالقول أو الكتابة أو بالتمويل لتلك الجماعة.. وهذا القرار إذا تم تطبيقه حقاً وحقيقة سيكون واحداً من القرارات المهمة جداً في تاريخ الدولة المصرية، مثل تأميم قناة السويس وقرار الحرب عام 73.
فتلك الجماعة الإرهابية أرهقت جداً الدولة المصرية إن لم تكن دمرت الدولة المصرية علي مدي 85 عاماً، ولهذا فنحن في مرحلة تتجاوز فقط إعلان القانون وإصداره إلي أهمية تنفيذه بطريقة صحيحة، وعليه يجب الاستفادة من تجارب الماضي مع تلك الجماعة في كيفية سد الثغرات أمامها من العودة في ظل قرارات حكومية سابقة بحظرها.. فعلي مدي 85 عاماً ظهرت ثلاثة قرارات حكومية بحظر جماعة الإخوان قبل أن يصدر بشأنها القرار الأخير باعتبارها جماعة إرهابية، إلا أنها كانت تستخدم وسيلتين للعودة:
الأولي: الاحتكام للقضاء واستخدام الثغرات القانونية للالتفاف علي القانون ومن ثم العودة للساحة المصرية مجدداً وبث سمومها بين المجتمع المصري.. وهذا ما حدث في قرار الحظر الأول بشأنها من قبل حكومة "النقراشي" عام 1948 إلا أن الجماعة استطاعت العودة عام 51 حينما ألغي مجلس الدولة القرار الصادر بحظرها، حتي صدر قرار عسكري في نفس العام بحظرها مرة أخري.. ثم تمكنت تلك الجماعة مرة أخري من العودة قانونياً في أعقاب ثورة 25 يناير.
ولهذا طالب الكثيرون أن يصدر مع قرار حكومة الببلاوي الأخير قانون من رئيس الجمهورية، أي يكون قرارا بقانون وليس قرارا فقط يري قانونيون أنه يمكن الطعن علي ذلك القرار، وأعلنت حكومة الببلاوي أنها راجعت قانونيين قبل اتخاذ القرار ووجدت أن القرار فقط دون قانون كاف ولا يقبل الطعن.. ولهذا فالأيام القادمة ستشهد إن كانت الحكومة "جادة" أم أصدرت هذا القرار فقط استجابة لضغط الشارع.. وذلك في حالة إذا تم الطعن عليه لعيوب بالقرار.
والثانية: هو النشاط دولياً في حالة التعثر داخلياً، وهذا هو ما فعلوه حينما أصدر نظام عبد الناصر قرارا بحظرهم كباقي الأحزاب عام 54، فخرجت أعضاء الجماعة إلي خارج مصر وأسست التنظيم الدولي للإخوان والذي تعاني منه مصر والعالم حتي الآن.. وهنا أختلف مع د. أحمد البرعي وزير التضامن الاجتماعي حينما قال في حوار له مع صحيفة "المصري اليوم" في اليوم التالي لإصدار القرار "إن ما يعني الحكومة هو تطبيق القرار داخلياً ولا يعنيها رؤية الغرب لهذا القرار".
وتلك خطورة.. فإذا لم تتحرك مصر خارجياً لدعم هذا القرار والاعتراف به من قبل الحكومات الغربية، وخاصة أن معنا واحدا من التصنيفات الدولية الكبيرة للإرهاب مثل التصنيف الروسي والذي يعتبر الإخوان جماعة إرهابية، وبالتالي يمكن العمل مع الروس لوضع تلك الجماعة في تصنيفات الأمم المتحدة أيضاً.. علي الدبلوماسية المصرية أن تتحرك في هذا الشأن وإلا فنحن نحرث في الماء.
وقبل هذا كله يجب تجفيف "المنبع" قبل "المصب" بأن نحارب الفقر والجهل والأيدلوجية الدينية الجاذبة لتلك الجماعة ومن علي شاكلتها.