رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بين المواطن والفرد (1)


المصري في هذه المرحلة الزمنية من حياته أصابه انقسام عزل جانب "الفرد" من كيانه عن جانب "المواطن" وكان الناتج هو أن المصري ظل كما كان دائماً "فردا" يتميز بما يتميز به من حسنات.

لكن وللأسف الشديد المصري أصيب في جانب "المواطن" من شخصيته فلم يعد ذلك المواطن الصالح الذي كان، ومعنى هذا التحليل هو أن موضع الشكوى والنقد والتقويم لا يشمل "المصري" بكل وجوده بل يشمل جزءا من ذلك الوجود، وهو الجزء الذي "يواطن" به الآخرون من أبناء الوطن الواحد.

ولو نظرنا للمصريين "أفرادا" في حياتهم الخاصة بين أقاربهم وأصدقائهم لوجدناهم كما نريد لهم أن يكونوا وكعهدنا بهم، أوفياء متعاونين يخلصون الود ويصدقون النصيحة، ثم لو نظرنا إلى كثرة منهم في ميادين العمل والتعامل نجدهم قد تهاونوا فيما عرفوا به من صفات من تواد وتراحم وتعاون وإخلاص: العامل يريد الأجر الكبير الفادح بلا عمل، والزميل يراوغ ويخادع زميله وينافق رئيسه في العمل.

لا يزال المصريون على امتلائهم بالقيم المصرية الأصيلة وامتلاكهم لها وهم فرادى، أعني وهم في دنياهم الخاصة وحياتهم الاجتماعية اليومية، لكنهم في "المواطنة" قد أصبحوا صرعى للفردية.. باختصار شديد يمكنني القول إن المصري في حياته الراهنة "صادق" وهو فرد، "كاذب" وهو مواطن.. فالمجتمع المصري وهو يعيش أفرادا أو أسرا منعزلة عن مفهوم وعقيدة المواطنة.. 

أولا: نريد لمجموعة المواطنين المصريين أن يكون بينهم من الروابط والصلات ما يجعل منهم جميعا وحدة حيوية واحدة وكأنهم أجزاء من شجرة واحدة تختلف أجزاؤها بعضها عن بعض، لكن ليس لجزء منها غنى عن باقي الأجزاء، فليست جذور هى أوراق وفروع ولكن لا حياة لتلك الأوراق والفروع لو لم تكن هنالك الجذور التي تمدها بالبقاء والحياة.

ثانيا: يجب أن يكون المصري صادقا لا في حياته الخاصة فقط بل كذلك في حياته التي يجتمع بها مع سائر الأفراد وينظر المصري لأخيه المواطن المصري على أنه "إنسان" وليس أداة صماء يستغلها لقضاء مصالحه الخاصة والأسرية.

ثالثا: يجب أن يكون المواطن صادقا في التعبير عما يشعر به إزاء الآخرين كصدق الشاعر حين يقر وجود موضوعه كما هو على حقيقته ثم يضفي عليه مشاعر من عنده كما يحسها.

لو توافرت لنا هذه الخصلة لضمنا ألا ينافق بعضنا بعضا في العلانية ثم نستتر لنصب على الآخرين سيلا من اللعنات تحت شعار اللي في القلب في القلب.

يؤسفني أن أقول إن المصري في مرحلته الحاضرة شطر نفسه شطرين فرد جيد في ناحية، ومواطن سيء في ناحية أخرى.. وأقصد بالسوء تلك الصفات نفسها التي تجعله ينظر إلى الأمور على غير حقيقتها أولا.. ثم يكذب في التعبير عن مشاعره.. وذلك يفسره تماما أننا ننظر إلى من بأيديهم السلطان والمال على غير حقائقهم أولا ثم نكذب في التعبير عن مشاعرنا نحوهم.. ولا نقول عنهم الحق كما نراه إلا ونحن بمعزل عنهم نتبادل الحديث مع ذوينا وخلصائنا. 

ولو اقتصر هذا الانقسام الخطير في شخصية المصري وهو يجتاز المرحلة الراهنة من تاريخه على ميدان السياسة لقلنا أنه راسب من رواسب ذلك التاريخ، حين كان المصري ينطوي على حياته الخاصة التماسا للأمان.. إذ كان على يقين بأن رأيه في الشئون العامة لا يعود عليه إلا بالوبال إذا هو أغضب السلطان، لكن ذلك الانقسام الخطير الذي أشرنا إليه، قد يكون له أصداء قوية الرنين في شتى المجالات الحيوية كالتعليم والاقتصاد بل والحياة الدينية نفسها والسطوة الروحية على الكثرة الكثيرة من عقول عموم المصريين.
الجريدة الرسمية