عمل مبارك الأسود ! (2)
في العلوم السياسية درسنا مفهوم ومعني وتعريف الكلمة التي نرددها كثيرا ونسمعها أكثر وهي "الشرعية".. وبرغم تعريفاتها المتعددة إلا أنها باختصار وبالتبسيط المريح تعني "حجم الرضا علي النظام الحاكم".. ولقياس حجم الرضا وللحكم عليه معياران.. الأول: ما قدمه النظام لشعبه.. والثاني: هو ما توفر لهذا النظام من إمكانيات..
والأمانة تقتضي القول إن النظام الوحيد الذي توفر له كل شىء منذ إعلان الجمهورية المصرية وحتي اليوم كان نظام مبارك.. مرت فترة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر بمعارك ومؤامرات داخلية وخارجية لا أول لها ولا آخر.. ولم تتوفر لنظامه لا المعونة الأمريكية ولا المساعدات العربية بهذا الحجم ولم تكن هناك تحويلات المصريين بالخارج ولا قناة السويس التي أممها كانت تعمل علي الدوام..!
والسادات لم يستفد من توقف الحرب مع العدو الإسرائيلي وحتي رحيله إلا سنوات قليلة معدودة.. لكن عند مبارك توفر كل شىء.. لا حروب.. لا مؤامرات كبري من الخارج.. علي الأقل الربع قرن الأول من حكمه كاملا.. ولم تتوقف سرا أو علنا المساعدات العربية.. ولم تتأثر المعونة الأمريكية.. ولم تتوقف قناة السويس.. وزادت تحويلات المصريين.. وزيدت الضرائب العامة وعرفنا لأول مرة ضريبة المبيعات.. لا.. بل أكثر من ذلك.. شهدت مصر أسوأ برنامج لبيع ممتلكات الشعب فيما سمي بالخصخصة..
لا نعرف حتي الآن أين عائده.. ومع ذلك بل والمدهش جدا.. أنه بدلا من أن تتزايد الخدمات الحكومية والإنفاق الحكومي علي ما ينعش مظاهر العدل الاجتماعي وينميها وخصوصا علي التعليم والصحة تحديدا.. وجدنا تآكل العلاج المجاني تقريبا وأصبحت المستشفيات خاوية علي أصحابها وتم تفريغ مجانية التعليم من مضمونها.. وتم وضع خريجي المدارس بين نيران طبقية بغيضة، فلا مساواة في التعليم الجامعي بين من يجتهد ويتفوق ومن يحصل علي الكلية ذاتها بأمواله وأموال أسرته ولا فرص لأبناء البسطاء في الوظائف التي تمثل في ذاتها صعودا اجتماعيا كالخارجية والقضاء والجيش والشرطة..
بل لا توجد أصلا وظائف متوفرة لجيل كامل.. شاهد كل ذلك وعايشه وعاشه.. وهو ذلك الجيل الذي ولد تقريبا بالكامل في عصر مبارك أو نشأ فيه.. وهو نفسه الجيل الذي خرج في يناير يهتف لإسقاط مبارك.. ويهتف بسقوط مبارك.. وسقط مبارك وسقط نظامه.. ورغم أن خطر إرهاب الإخوان له الأولوية عندنا وعند غيرنا.. ومع ذلك تجدهم ما زالوا يهتفون ضد مبارك ونظامه ورجاله حتي اللحظة بأوهام مصطلح "الفلول" مرة.. وبحقائق علي الأرض مرات.. إنه العمل الأسود للرئيس الأسبق!
وللحديث بقيه..
