رئيس التحرير
عصام كامل

عمل مبارك الأسود!


من لا يتذكر ولا يعرف شيئا عن هوجة قروض البنوك في عهد مبارك نقول: انتشرت منذ بداية منتصف ثمانينيات القرن الماضي ظاهرة غريبة عن مجتمعنا ملخصها منح قروض بغير ضمانات لمن سموا أنفسهم رجال أعمال.. القروض بمئات الملايين وكانت مظهرا من مظاهر الفساد الرهيب.. ليس فقط لوجود نسبة من القرض تذهب بالضرورة لرؤساء البنوك تغنيهم عن السؤال حتي لو تم فصلهم من عملهم.. ولكن لهروب هؤلاء بأموال الشعب نفسها إلي الخارج.. منهم من هرب إلي أمريكا اللاتينية منذ سنوات طويلة ولم يعد.. ومنهم ابن أسرة معروفة وشقيق شخصية رياضية شهيرة!



كانت القروض تصل إلي أكثر من مليار.. وليس مهما أن تكون نسبة رئيس البنك مائة مليون.. فليس هناك عقوبة جنائية تهدد رؤساء البنوك بل ينتظرهم إن تم فصلهم العمل في بنوك القطاع الخاص!

وبعد أكثر من عملية نهب وتجريف منظم لأموال الغلابة من هذا الشعب.. وبعد حملات كبيرة في صحف المعارضة بل وبعض الصحف القومية أيضا.. نشرت الصحف أخبارا عن اجتماعات مهمة سيعقدها الرئيس مبارك لمناقشة الظاهرة.. ووقتها قال المصريون إن الرئيس سيضع حدا لما يجري.. وأن قرارات حاسمة ربما طالت المتورطين في ذلك.. وبالفعل عقد مبارك الاجتماعات.. وبعدها انتظر الناس القرار الحاسم.. القرار الثوري الذي يعيد لهذا الشعب ثروته ويحفظ هيبة وسمعة القطاع المصرفي ويعيد للاقتصاد المصري توازنه!

صدرت القرارات وجاءت عكس ما توقعه الناس بدرجة منفرجة وليست حادة فحسب.. صدرت القرارات لتمنع أي جهة من تقديم أي بلاغات تخص قروض البنوك إلا بعد مراجعة وموافقة البنك المركزي المصري!

أي أن خطوات وإجراءات الحصول علي القروض لم يقترب منها أحد.. إنما الاقتراب جاء لمنع من يفكر في الإبلاغ عن جرائمها! ولما كان ذلك يتم وفي ظل أكبر حملة للتبرع بسداد ديون مصر.. ومنها حملة تبرع ولو بجنيه.. وحولها حملات أخري للتبرع لبناء مستشفيات ومؤسسات خيرية أخري تقدم خدمات ضرورية لعامة الشعب في حين توقفت الدولة عن تقديمها.. ولما كانت هذه الأعوام هي التي شهدت نشأة الجيل الذي ثار وهتف ضد مبارك في ميدان التحرير.. ورأي تناقضات مفجعة تطيح بأي قيم من أي عقول.. لذا علينا أن نفهم الآن سر كراهية هؤلاء لمبارك ونظام مبارك وكل رجال مبارك.. حتي لو كان هذا غير دقيق وحتي لو الخطر الإخواني الإرهابي هو الأبرز والأكبر الآن!

الكثيرون يعيدون تقييم عصر مبارك مقارنة بالإخوان.. وهذا خطأ لأن مصر تستحق أفضل منهما.. والبعض الآخر ينظرون للرجل نظرة عاطفية إنسانية تشفق عليه  وعلي شيخوخته.. وهذا مجرد من تقييم موضوعي شامل أيضا خطأ لأن هؤلاء ورغم إنسانيتهم الكبيرة كانت نظرتهم ستتغير إن عانوا مثل ما عانى هذا الجيل الذي ولد بالكامل في عصر مبارك.. أو انتظر أحدهم دورا في مستشفي عام للحصول علي فرصة علاج من مرض عضال لقريب له ولم يجدها.. فقده باستهتار بالغ والحسرة في عينيه.. أو كان متفوقا في دراسته وخطف فرصته غيره.. ممن قدر علي الرشوة أو قدم المعلوم!

وللحديث بقية عن عمل مبارك الأسود.. والذي يدفع هو ورجاله ثمنه حتي الآن.. بحق وبغير حق.. عاطل مع باطل.. مجرم ومذنب مع البريء.. المهذب من رجاله  مع المنحط.. كلهم علي السواء.. وغدا نكمل!

الجريدة الرسمية