وزير مسلوب الإرادة
كن خاملا، كن ناقما، كن ناقدا للسابقين، كن رافضا لفكر الآخرين، كن مطيعا للأوامر، كن عبوسا فلا تلقى الناس بوجه بشوش، اغتر على العامة، وتذلل لأولى الأمر، تكن وزير تعليم ناجح، ومرضى عليك فى حكومة مصرية، ولا يشترط فيك وقتها أن تكون مبدعا، أو قادرا على حل المشاكل، يكفيك أن تعلم كيف تتهم السابقين بالتقصير، وبتدمير العقول، يكفيك أن تدرك أقرب شماعة لتعليق الخطأ القادم عليها، ولا تنس أن تحيط نفسك ببطانة تذود عنك، لتكون البطل الدائم لفيلم قصير، نهايته مزيدا من المآسى لأمة من كثرة من عانت ما عادت تمتلك المزيد لتفقده.
لم يفاجئنى كلام "الجبهة الحرة لنقابة المهن التعليمية"، حينما طلبت من الدكتور إبراهيم غنيم وزير التربية والتعليم أن يعلن عدم مسئوليته عن وزارة التربية والتعليم، فمعالى الوزير منذ قدومه على رأس الوزارة فى أول شهر أغسطس الماضى لم يقدم حلا متكاملا لمشكلة من المشاكل التى واجهها، وفى المقابل كرر أكثر من مرة أنه غير مسئول عن مشاكل المعلمين، ففى لقائه الأول بمعلمى الشرقية أعلن أمام الجميع أن مشاكل معلمى المحافظة من اختصاصات المحافظ، ليعود ويكرر نفس الأمر فى مؤتمر نقابة المعلمين الأخير، حين تهرب من أسئلة أعضاء للنقابة حول مصير نسبة الـ50% للكادر التى كان مقررا صرفها فى بداية أكتوبر الماضى، لينتهى يناير دون أن يتحقق الأمل.
ومن قبل كان الوزير قد صرخ فى وجه المعلمين الغاضبين بسبب الكادر فى سبتمبر السابق، وواجه ثورتهم ضده بمقولته التى اشتهر بها فيما بعد، وأعلن خلالها عن سياسته فى التعامل مع الأزمات، عندما قال "مش انتوا اللى هتمشونى، واللى جابنى هو اللى يمشينى".
وفى لقاء الوزير بوفد اتحاد الأطباء العرب لتوقيع بروتوكول التعاون بين الاتحاد والوزارة للكشف على طلاب الفيوم، حمل الوزير النظام السابق مسئولية تدهور صحة التلاميذ فى المدارس، ومسئولية الفشل التعليمى ليعود منذ أيام ويؤكد فى جولته التفقدية للمدارس التى تعرضت للحريق فى أحداث التحرير الأخيرة أن التعليم الذى أفرزه النظام السابق هو المسئول عن تخريج البلطجية الذين اعتدوا على المدارس، وخربوا ممتلكات الدولة، ليتبع كلامه بأن ما حدث هو ما كان يريده مبارك ونظامه.
وكان حل المشلكة التى تعرضت لها المدارس المحترقة يكمن فى التبرعات، وهى كلمة السر التى تلازم الوزير الحالى فى حل كل المشكلات المطروحة أمامه، فلكى يحل مشاكل الأبنية التعليمية يلجأ إلى رجال الأعمال للتبرع، ولكى يساعد المدارس يلجأ إلى حزب الحرية والعدالة لعقد بروتوكول تعاون داخل المدارس، ليقوم الحزب بدوره بجمع التبرعات من عدد من الشركات والرعاة، لينفق جزءً منها على احتياجات الفصول والباقى على احتياجات الحزب، ويتبع الوزير ذلك البروتوكول بطلب مشفع إلى مفتى الديار لاستصدار فتوى تجيز جمع الزكاة للمدارس، ثم يعود الوزير مرة أخرى للتبرعات طالبا الجمعيات الأهلية العاملة فى مجال التعليم بأن تتبرع لصالح المدارس المنكوبة فى أحداث التحرير الأخيرة، دون أن يعلن عن تحمل الوزارة مسئولية ما حدث، رغم أن إحدى المدارس المحترقة كان بغرفة حساباتها مستندات هامة تدين مسئولين سابقين بالفساد المالى، وكان الوزير ورئيس مجلس إدارة المعاهد القومية الحالى حمدى عبدالحليم على علم بوجود تلك المستندات، والأخطر أنه تم تحذيرهم من حريق المدرسة بسبب تلك المستندات، ومع ذلك لم يتخذا أى إجراء أمنى تحسبا لذلك، وبالفعل استهدفت حجرة الخزينة بالمدرسة وتم حرق جميع مستندات الإدانة.