رئيس التحرير
عصام كامل

وطن هذا أم بيت بغاء ؟!


ما هذا الوطن المبعثر على مقاهي النشطاء وفي حانات عملاء الغرب الساهر من أجل حريتنا، ومن أجل مستقبلنا؟! ما هذا الوطن الساكت على كل محاولات النيل منه، والخطف منه وأكل بعضه، وتقديم كله لموائد اللئام؟! ما هذا الوطن الساكن أمام كل محاولات هزيمته وسحقه وتقسيمه بين شمال وجنوب وسنة وشيعة ومسلمين ومسيحيين ومواطنين و«بدون»؟ ما هذا الوطن الذى هان واستهان على العامة والخاصة؟ ما هذا الوطن المشتت بين التضليل والتهليل؟ ما هذا الوطن المحتوي لكل شيطان رجيم ومعتد أثيم وهماز مشاء بنميم؟ وطن طالته أيادي المترددين على عواصم الغرب، وسكنته جمعيات تقبض من كل مشبوه غربي، وكل معتوه قطري، وكل مشتاق تركي.. كيف يكون وطنًا للبسطاء وكيف يكون «و.. ط.. ن »؟


‫كيف يكون حب الوطن من الإيمان وقد ظهر فى بلادنا من يؤمنون بغيره، ويعتلون المقاعد، ويقررون مصيره، ويخططون له وضده؟ كيف يكون وطنًا وسكنًا لأناس سكنوا إلى غيره، ووطنوا غيره، ونالوا غطاء أوطان أخرى.. لم يبق من وطني إلا معنى وحيد وهو أن الوطن مربط البقر والغنم ونحوها!

وإذا كان ابن الرومي قد قال «ولي وطن آليت ألا أبيعه … وألا أرى غيري له الدهر مالكا» فماذا نفعل في وطن يبيعه آخرون، ويشترون به ثمنًا قليلًا؟ وماذا نفعل فى وطن يباع بدولار، ويشترى بريال، ويصبح سلعة تتبادلها أيادي ثوار صربيا، ومناضلي الدوحة وفدائيي أنقرة؟!

ماذا نقول لأبنائنا إن سألونا: كيلو الوطن بكام؟ وبماذا نجيب عليهم إن سألونا عن ثوار يحجون للبيت الأبيض، ويصلون لقبلة قطرائيل، ويدفعون الزكاة لإرهابيين يحتلون المقدس فى سيناء، وفى الإسماعيلية، وفي جامعة الأزهر؟ ماذا نقول لأبنائنا إن سألونا عن جولات كيرى فى حوارى السيدة؟ وصولات آشتون في قرى الصعيد؟ هل نقول لهم إن أسيادا علينا يزوروننا ليفرضوا المقرر الدراسي والتوجه السياسي؟ ماذا نقول لأبنائنا إن جادلونا في رضوخنا للغرب وصلواتنا للغرب وركوعنا للغرب؟ ماذا نقول لثوار ثاروا ثم خاروا من هول ما رأوا ومن هول ما سمعوا؟ ماذا نقول لأطفال لا يزالون يولدون وفي عيونهم أمل فى وطن يستقيم لا يميل ..

يستقل وينفض عن خريطة تبعية عشناها وذقنا مرارتها أجيالًا وراء أجيال.. ماذا نقول لهم وقد تسابق القوم على الحج لنفس البيت والطواف بذات البيت والركوع والسجود لنفس السادة؟ ما هذا الوطن الذى لا يحمي نيله؟ ولا يحمي وريده؟ ولا يحمى روحه؟ ما هذا الوطن الذى يمارس عادة الاستكانة عندما تكون الاستكانة عارا ويمارس الليونة عندما تكون الليونة خضوعا؟ وما هذا الوطن الذى هاج وماج .. ثار وفار، ثم عاد يتسكع في دروب المساعدات، وعلي نواصى القروض؟ ما هذا الوطن الذى يثور على الغلاف وبين دفتي الغلاف لين، هين، مستهين، مستكين؟

ما هذا الشعب الذى تتسرب روح وطنه من بين أصابعه.. تصل إلى الحلقوم .. والقوم إليه ينظرون .. دون طبيب يمد من شريانه شرايين لعروق الوطن.. دون شيخ جليل يعتلى المنبر، وليس فى ذهنه إلا الوطن.. دون راهب ينفرد بالخلاء وحيدا يصلى من أجل الوطن.. ما هذا الشعب الذي يسرق عقله وقلبه في وضح النهار.. ما هذا الشعب الذى تستطيع أن تقنعه بأن من يسرق عقله هو جبريل الحاضر من السماء توا.. وأن من جاء يناصره ضد الوطن هو مريم البتول، وأن محمدا بن عبد الله رفض الإمامة إجلالا لنصاب وجاسوس.. ما هذا الشعب الذى تسرق صلواته ليلا وتصدر إلى تل أبيب فى صناديق الخمر المعتق.

ما هذه الصفوة المتكرشة على كل الموائد؟ ما هذه النخبة التابعة لكل العواصم؟ ومن هم هؤلاء الذين فتحوا صنابير الكلام فأغرقوا الخريطة بقيء ممزوج بدماء الشباب؟ وما هذه الجماعة التى جندت موسى وهارون وإسماعيل لخدمة مرشدهم؟ ما هذه الجماعة التى أحيت يوسف، وأعادت كل الأنبياء لمبايعة المرشد؟

ما هذه الجماعة التي تبيع الدين بالآية، وتتاجر بالحديث، وتضارب بالسلف الصالح، وتقامر بتاريخ الصحابة، وتزايد على العرض والأرض؟ ما هذا الوطن الذي حمل في رحمه كل هذا الزيف الإخواني.. ما هذا الوطن الذى يستطيع أن يحمل كل هذا التناقض وكل هذا التناحر وكل هذا البيع؟ .. أوطن هذا أم وكر لصوص؟ أوطن هذا أم بيت بغاء؟، أوطن يسكن أم ساحة حرب؟!!
الجريدة الرسمية