استراتيجية الشركات ( 1 )
مما لاشك فيه أنه لابد للقادة من ابتكار استراتيجيات يستطيعون من خلالها النهوض بمؤسساتهم والدفع بها إلى الأمام كى تصبح فى مصاف الشركات الكبرى، لكن نظرا إلى المناخ المجهول الذى يتسم به عالم المؤسسات التجارية اليوم، بات من الصعب ابتكار خطط استراتيجية تستطيع الصمود وسط تلك الأجواء التى تتطلب أساليب استراتيجية أكثر مرونة، تتغير بتغير مستوى الغموض الذى يسيطر على رسم استراتيجيات المستقبل ولكى نتعرف عليها لابد أن نتعرف أولا على مستويات الغموض.
تتكون مستويات الغموض فى عالم المال والأعمال من أربعة مستويات:
المستوى الأول: رسم مستقبل واضح للشركة
فى المستوى الأول من الممكن أن يرسم المديرون خطة واحدة للتنبؤ بالمستقبل، ولكنها مهما بلغت دقتها لن تستطيع التكيف مع جميع بيئات العمل غير المضمونة، فضلا عن محدودية ما يمكنها التنبؤ به من اتجاهات استراتيجية.
على سبيل المثال: حاولت إحدى شركات الطيران الكبرى أن تتوصل إلى حل استراتيجى لمواجهة إحدى الشركات المنافسة الجديدة والتى تقدم رحلات منخفضة التكلفة فى المطارات نفسها التى تقدم فيها الشركة خدماتها، فكانت الخيارات المطروحة إما خفض الشركة لتكلفة رحلاتها أو التنازل عن شرائح العملاء الذين يفضلون الرحلات منخفضة التكلفة أو التنافس مع الشركة الأخرى فى خفض الأسعار وتطوير الخدمات منافسة ضارية كى تستطيع الشركة السيطرة على السوق من جديد.
لكى تتوصل الشركة إلى الخيار الاستراتيجى المناسب يحتاج مسئولوها التنفيذيون إلى إجراء أبحاث سوقية حول حجم مختلف شرائح العملاء ورد الفعل المحتمل من كل شريحة تجاه مختلف شرائح الخدمة التى تقدمها الشركة وأسعارها، وهم بحاجة أيضا إلى معرفة التكلفة التى تتحملها الشركة المنافسة لتقديم خدماتها المختلفة بالإضافة إلى حجم إمكاناتها، وفى النهاية يحتاج المسئولون إلى معرفة الأهداف التنافسية للشركة الجديدة كى يستطيعوا توقع رد فعلها تجاه أى خطوة استراتيجية قد تتخذها شركتهم، ولكن تلك المعلومات جميعا إما معروفة أو يمكن الوصول إليها، قد تتطلب بعض المجهود للحصول عليها لكن فى نهاية الأمر يمكن الوصول إليها، وبمجرد أن تصبح تلك المعلومات معروفة، فلا مكان لمثل تلك الأجواء غير المضمونة.
المستوى الثانى: الآفاق المستقبلية البديلة
فى المستوى الثانى يمكن تعريف المستقبل بأنه عبارة عن واحدة من النتائج البديلة ولا يستطيع التحليل الاستراتيجى تحديد أى النتائج هى المتوقعة، ولكنه قد يساعد فى وضع الاحتمالات، ومن المهم معرفة أن عناصر الاستراتيجية كان يمكن أن تتغير إذا كان من الممكن توقع النتيجة.
يستطيع العديد من المؤسسات التجارية التى تواجه تغيرا رئيسيا فى الإجراءات التنظيمية أو التشريعية أن تواجه المناخ المجهول فى المستوى الثانى. فعلى سبيل المثال: فى نهاية عام 1995، فى الولايات المتحدة، حين بدأت الشركات المقدمة للخدمات الهاتفية بعيدة المدى تطوير استراتيجيات لاقتحام الأسواق المحلية، كان التشريع الذى يسمح لتلك الشركات باقتحام تلك الأسواق قيد المناقشة فى الكونجرس وبات شكله النهائى واضحا لمعظم المتخصصين فى مجال الاتصالات الهاتفية، بيد أن قبول هذا التشريع وسرعة تنفيذه أمر مجهول، ولم يكن لدى تلك الشركات من التحاليل ما يتيح لها التنبؤ بمصيره، رغم أن التوقيت الذى كان يجب أن تبدأ فيه استثماراتها فى البنية التحتية للاتصالات الهاتفية كان يعتمد على النتيجة النهائية.
ومن المشكلات الشائعة فى المستوى الثانى للاستراتيجية اعتماد الاستراتيجية التى ترسمها المؤسسات التجارية على استراتيجيات المنافسين اعتمادا رئيسايا، والمشكلة هنا هى أن المنافسين لا يمكن التنبؤ بخطواتهم، فعلى سبيل المثال: فى الأسواق الاحتكارية كأسواق المواد الكيماوية والمواد الخام، يمثل المناخ المجهول فى خطط المنافسين للتوسع فى حجم نشاطهم، ويجد القائمون على الشركة أنفسهم فى حيرة يتساءلون أسينشئ هؤلاء مصانع جديدة أم لا ؟ وفى الواقع ، وفقا لاقتصاديات الحجم، إنشاء مصنع جديد من شأنه أن يؤثر تأثيرا واضحا فى الأسعار والأرباح، وبالتالى فإن قرار أى شركة ببناء مصنع جديد يؤثر بشدة فى قرارات الشركات المنافسة.
نائب رئيس غرفة الإسكندرية التجارية.