رئيس التحرير
عصام كامل

جمال البنا..قصة مفكر "2"


وبشأن القول: إن فى القرآن بعض آيات توحى أن الإسلام هو الدين الوحيد، رد جمال البنا: «هذا يعود إلى أن الإسلام يعتبر أن خصيصة الأديان الرئيسية هى إسلام الوجه والقلب لله، وهو يرى أن هذا تحقق فى اليهودية والمسيحية وفى أنبيائها، ومن ثم فإنه يرى أنهم جميعا مسلمون، وأن إبراهيم وإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ كلهم مسلمون، وهذا فيما يرى هو ما أرادته الآية «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ».


وأضاف: إن آية «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» قُصد بها مجموعة ارتدت عن الإسلام وكفروا بعد إيمانهم، ومن الطبيعى أن يكون رد الإسلام على من ارتد عنه أنه لا «يُقْبَلَ مِنْهُ» مادام قد ارتد وابتغى آخرًا، ولا يتأتى أن يكون رفضًا لغير الإسلام من ناحية المبدأ، لأن الآيات التى توجب التسليم بكل ما أنزل على إبراهيم وإسماعيل قد سبقتها.

وبدوره تساءل الكاتب "خباب الحمد" ساخراً عن السبب وراء وصف البنا بـ «المفكر الإسلامي» وتعرض بالنقد والتحليل لآراء الراحل فى مقالة مطولة جاء فيها:

حينما تجد أهل الهوى وضعاف الفهم يتحدَّثون فى ديننا الإسلامى ، ويحرِّفونه بقالب التجديد، وينقضونه باسم النقد، وينسفون منهج السلف الصالح فى التعامل مع النصوص بحجَّة إعادة قراءة النص وما إلى ذلك من شبهات وأهواء، فلن تستطيع أن تجد لهؤلاء عذراً.

ومن بين هؤلاء المحرّفين لديننا ومبادئنا وثوابتنا«جمال البنَّا» شقيق الشيخ حسن البنّا ـ رحمه الله ـ فيستغل أخوته للشيخ حسن ليظهر فى وسائل الإعلام، ويطلق عليه "المفكّر الإسلامي". والمراقب لطروحات«جمال البنا» أو المتتبع لها سيجد أنه يخرج بين فينة وأخرى بآراء فكريَّة عجيبة غريبة، يبدى من خلالها مخبآت الأفكار المكنوزة فى عقليته.

ومن أحسن من رأيته قد كتب عنها وفضح صاحبها، الدكتور محمد زنجير فى كتابه «اتجاهات تجديدية متطرفة»، والأستاذ محمد إبراهيم مبروك، الذى كتب أربع حلقات عنونها بـ:«جمال البنَّا مفكِّر إسلامى أم علماني؟!»، والأستاذ عقيل الشمَّرى فى بحثه المتخصّص «جمال البنا ومنهجه فى التفسير»، والمتابع لفكر جمال البنَّا، سيدرك أنَّه ينطلق برؤية لا منهجيَّة لها، وأنَّ جملة كثيرة من أعماله قائمة على الأوهام الفكريَّة.

وقد استقرَّت لديّ هذه النتيجة بعد متابعتى لفكره وكتاباته، ووجدت أنَّ أفكاره قائمة على مشكلات عدَّة خطيرة، منها:
- هدم السنَّة بحجَّة أنَّ قلَّة قليلة من أحاديثها صحيحة، والبقية منكرة وشاذة وموضوعة.
- التحايل على الشريعة وأدلتها من نصوص الوحي، وتحكيمه الكامل لهواه فحسب، باسم المصلحة والضرورة وعموم البلوى وغير ذلك.
- نقض الشريعة بحجَّة النقد البنّاء.
- انتهاجه وانتهازه لزلاَّت بعض العلماء، وترويجها بين عوام الناس، ونشرها فى مؤلفاته وكأنَّها أقوال لا مغاير لها ولا مخالف.
- رفضه قواعد المحدِّثين، وقوله بعدم عدالة الصحابة .

رفض البنا قواعد المحدثين فى الجرح والتعديل التى من خلالها يثبت الحديث، وعلى رأسها «عدالة الصحابة» حيث نفى وجوب تعديلهم - إلزاما - كما استقر المنهج عند أهل السنة والجماعة، ورأى أنهم قد يكذبون فى الحديث، وإذا لم يكذبوا فهم ينسون، والنسيان أخو الكذب، وكثرة رواية الصحابى للحديث عنده تجرحه؛ إذ إن أفاضل الصحابة وكبارهم عنده أقلهم رواية للحديث، والعكس بالعكس.
 
ضعّف البنا جمعاً من الأحاديث التى تواترت صحتها عن علماء الحديث النقاد والمدققين لأنَّه رآها تخالف القرآن فرأى أنَّ كل كتب السنة تعج بالموضوعات، بما فيها صحيحا البخارى ومسلم، ولهذا ألف كتاباً فى نقدهما سماه «تجريد البخارى ومسلم من الأحاديث التى لا تلزم» .

دعا «البنا» إلى الاحتكام بما فى صحيح السنَّة إلى الصريح من القرآن، وهى المرجعية الإسلامية الملزمة عنده فقط، ولنتأمَّل قوله عن المرجعيَّة الملزمة لنا بأنَّها: القرآن الكريم والصحيح المنضبط من السنة النبوية أما أحكام الفقهاء وأئمة المذاهب والصحابة.. إلخ.. فلا تعد ملزمة.

وإجابة على ذلك فإنَّ معنى هذا أنَّ أى حديث لم يأتِ عليه دليل من كتاب الله فليضرب به عُرض الحائط، ولا يستدلَّ به، وكلام البنَّا فى هذا المجال يشبه قول القرآنيين الذين نسبوا أنفسهم إلى القرآن.

وقالوا: لا نأخذ إلا به وأنكروا السنة، وقد كفّرهم الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية فى دعواهم إلى الأخذ بكتاب الله وترك الاحتجاج بكتب السنَّة.

والبنا - عبر كلامه هذا - يبطل الآيات والأحاديث التى جاءت بالأمر بالأخذ بالأحاديث؛ لأنَّها وحى يوحى لرسول الله «صلى الله عليه وسلم».

وقال تعالى «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» ـ الحشر:7، ومن الآيات التى تدلُّ على أنّ السنة وحى قول الله ـ عزَّ وجل ـ «لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين» ـ آل عمران: 164.
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح عن المقدام بن معدى كرب: «ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ! ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله».يقول الإمام الشافعي: «فذكر الكتاب - وهو القرآن - وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة:سنة رسول الله «صلى الله عليه وسلم».

رأى «جمال البنا» أنَّه لا مانع أن يكون العقل حاكماً على القضايا الدينيَّة والشرعيَّة، وكان هذا واضحاً من خلال مناظرته مع الأستاذ محمد إبراهيم مبروك فى قناة الجزيرة ببرنامج «الاتجاه المعاكس»، وكذلك فى عدد من كتاباته.

كما رأى إعمال العقل فى كل ما يتعلق بالدين والدنيا والإيمان بالقيم، حيث قال:«إنَّ كل ما يتعلق بالشريعة من علاقات يفترض أن تتفق مع العقل أولاً ولا يكون الوحى إلا مؤكداً ومكملاً له، أى إعمال العقل فى فهم النص، وهذا يجعل العقلانيَّة هى المرجعيَّة الإسلاميَّة فيما يتعلَّق بالشريعة».

ومن هنا.. فإنَّ هذا الأمر قد أثر تأثيراً بالغاً على منهجه فى التفسير بحيث إنه لم يعتد بتفسير أهل العلم، ولم يقيد القرآن بالسنة، بل يكون العقل ـ أى الهوى ـ هو الحاكم على نصوص الكتاب والسنَّة.

كما رأى أنَّ المسائل التى يحصل فيها خلاف بين الفقهاء والعلماء؛ فإنَّ أفضل حل أن يكون الرجوع ليس لنصوص الكتاب والسنَّة بالفهم الصحيح، بل بالرجوع إلى العقل فحسب إذ قال عن القرآن والسنة: «وأقوى منهما جميعاً الرجوع إلى العقل وتحكيم المنطق السليم وطبيعة الشريعة ومقاصدها ،حتى وإن كان الموضوع عبادياً، لأنه مادام بعيداً عن ماهية الله تعالى وعالم السمعيات فإنه يخضع لحكم العقل والنظر، وما يهدى إليه المنطق السليم والقول بذلك يحرم الناس من استخدام عقولهم، ويعطل ملكات التفكير ويجعلهم أسرى للروايات».

والجواب على دعواه أن نقول: من المقطوع به أنَّ للعقل دوراً فى بلورة الأفكار، إلاَّ أنَّ النص القرآنى أو النبوى حاكم العقل، فالحكم يكون مقدَّماً لشريعة الإسلام على عقل الإنسان ، وليس العكس، ثمَّ لو تحاكمنا للعقل فلأى عقل نتحاكم ونحتكم؟.

هكذا كان فكر "جمال البنا"..فهل كان مصيباً أم مخطئاً؟ علم ذلك عند ربى.

من كتابى "ضد الإسلام"..الطبعة الثانية بتصرف .


الجريدة الرسمية