رئيس التحرير
عصام كامل

أكبر معمر في العالم من غزة يحكي تاريخ فلسطين

الفلسطيني محمد رجب
الفلسطيني محمد رجب

شاهد حي على تاريخ وطن وذاكرة تزخر بالقصص التي لا يجدها القارئ أحيانا في كتب التاريخ، إنه الفلسطيني محمد رجب التوم الذي يقدر عمره ب125 عاما. DW عربية التقته في بيته بجباليا وتعرفت من خلاله على جوانب من التاريخ الفلسطيني.

تجاعيد وجهه تحمل كل منها قصة وحكاية، تفاصيلها تحكي تاريخ فلسطين الطويل والذي تعاقبت عليه حكومات وجماعات وحروب رسمت ملامح الواقع الراهن الذي يعيشه الفلسطينيون سواء كان مفرحًا أو حزينًا.

رجب محمد التوم فلسطيني عاصر ست حقبات عاشها الفلسطينيون بدءًا من حكم الإمبراطورية العثمانية مرورا بالانتداب البريطاني والحكم المصري، الذي تلاه الاحتلال الإسرائيلي وبعدها السلطة الفلسطينية، وصولًا إلى سيطرة حركة حماس على قطاع غزة.

DW عربية التقت المعمر التوم في منزله في بلدة جباليا، شمال قطاع غزة، الذي يعتقد أبناؤه أنه يبلغ من العمر 125 عامًا من سياق الأحداث التي عاشها ويذكرها، ليكون بذلك أكبر رجل لا يزال على قيد الحياة في فلسطين والعالم.

حقبات تاريخية تتعاقب على البلاد وحياة التوم

يعود التوم بذاكرته إلى نشأته الأولى حيث ولد في بلدة جباليا وترعرع فيها. وعمل مع والده في أرضه الزراعية التي ورثها عنه بعد ذلك في بلدة "المحرّقة" على الحدود المتاخمة لقطاع غزة وضمتها إسرائيل إليها بعد حرب عام 1948.

وخدم مع "الدرك" العثماني في لبنان في بلدتي "دير القمر" و"سوق الغرب"، عندما كان عمره نحو ثلاثين عامًا بعدما تم اختياره بالقرعة مع مجموعة أخرى من الفلسطينيين، كما جرت عليه العادة من قبل العثمانيين في تلك الفترة للخدمة الإلزامية.

وانتهى الحكم العثماني لفلسطين عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918 لتبدأ حقبة الانتداب البريطاني.

وبحسب سياق وتسلسل الأحداث التي ذكرها التوم يكون ميلاده في عام 1888 ويبلغ الآن من العمر نحو 125 عامًا.

يذكر أن أكبر معمر موثق في العالم هو سالوستيانو سانشيز، الذي توفي عن عمر 112 عاما في ولاية نيويورك الأمريكية في شهر سبتبمر الماضي. ليحتل مكانه المعمر الإيطالي آرتور ليكاتا البالغ من العمر 111 عامًا، في حين أن أكبر معمرة في العالم هي اليابانية مياسوا أوكاوا والتي تبلغ من العمر 115 عامًا.

التوم لديه خمسة من الأبناء، أربعة أولاد وبنت. وتزوج مرتين: الأولى عندما كان عمره نحو 35 عامًا، والثانية عندما كان تقريبا في الأربعين من عمره بعدما فقد الأمل في إنجاب أطفال من زوجته الأولى. أما الآن فلديه ما يقارب ثلاثمائة حفيد وحفيدة. ويقول: "كنا نتزوج عادة في سن متأخرة كون الشاب لا يستطيع الزواج قبل الخدمة العسكرية مع الجيش التركي، حتى لا تصبح الزوجة أرملة أو يصبح الأبناء أيتاما، لذلك أنا تزوجت بعد عودتي من الخدمة العسكرية بعدة سنوات، عندما كان الإنجليز هنا".

ذاكرة شاهدة على تاريخ وطن

ويحرص التوم على متابعة نشرات الأخبار عبر أثير الإذاعات المحلية ليعرف مستجدات الأحداث الفلسطينية والعربية بعد أن فقد بصره قبل نحو عشرين عامًا، لتعيده تفاصيل الحياة اليومية بالذاكرة إلى الحروب التي عاش تفاصيل بعضها. ولكن تبقى ظروف ترحيل الفلسطينيين عن أراضيهم وقراهم عام 1948 ولجوئهم إلى مدينة غزة محفورة في ذاكرته لاستضافته عددًا من عائلات اللاجئين في بيته في بلدة جباليا التي روت له تفاصيل انتقالهم من بلداتهم وصولًا إلى قطاع غزة.

وعند سؤاله عن حرب يونيو عام 1967 والتي هزمت فيها إسرائيل الجيوش العربية يقول "كان العرب ضعفاء في ذلك الوقت، إسرائيل هزمتهم في أيام معدودة. لقد ذهبت فلسطين أدراج الرياح ولم يكن لدينا نحن الفلسطينيين السلاح لمواجهة الجيش الإسرائيلي ".

واستمر التوم في عمله مزارعًا بعد أن اشترى 23 دونمًا زرعها بأشجار البرتقال في بلدة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، من المال الذي جمعه من خلال عمله السابق - بعد أن فقد أرضه التي تبلغ نحو مائتي دونم في بلدة "المحرّقة" - ليعتاش منها مع أبنائه وزوجته التي رافقته طوال حياته حتى وافتها المنية قبل بضع سنوات عن عمر يناهز 103 أعوام.

ويقول محمد رجب التوم إن أرضه التي اشتراها في قطاع غزة مع منزلين بناهما أبناؤه قد تعرضوا للتدمير في حرب "الرصاص المصبوب" عام 2008-2009.

أمنية واحدة

ولا يكف التوم عن مديح ظروف الحياة خلال حقبتي الحكم العثماني والانتداب البريطاني. كما لا يزال يتذكر عددًا من الكلمات باللغة التركية التي تعلمها خلال فترة خدمته العسكرية، قائلًا: "كانت الحياة سهلة أيام الأتراك والغنجليز: كنت أملك أرضا كبيرة وكنت أسافر دون أوراق أو جواز سفر، أما اليوم فكل شيء معقد وصعب والكل يبحث عن حياته الخاصة فقط. كما فقدنا الكثير من الأمان في ظل الحروب التي عشناها".

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن التوم يؤكد بالقول: "عشت حياتي هنا، فرحت هنا وحزنت هنا. كانت أحلى أيام حياتي عندما تزوجت وأنجبت الأبناء. وكانت أصعب أيام حياتي عندما فقدت أرضي الأولى التي ورثتها عن والدي وعندما ماتت زوجتي".

ومع تقدمه في العمر بات التوم أكثر ضعفًا، إلا أنه مازال يتحدث بشكل يومي مع أبنائه وأحفاده الذين يتجمعون حوله في ساعات المساء، يحكي لهم المغامرات التي عاشها، ويغني لهم بعض الأغاني التي كان يرددها في أيام شبابه. كما يردد على مسامعهم بعضًا من الأشعار التي حفظها عن طريق شخص كان يدفع له بعضًا من المال ليقرأ له كتبًا كان يشتريها لأنه لا يجيد القراءة والكتابة.

المعمر التوم يملك أمنية واحدة فقط هي أن "يعم السلام في المنطقة، سلامًا بين الفلسطينيين أنفسهم ويتصالح الإخوة ليعيش أبنائي في أمان، وسلامًا أيضًا مع إسرائيل التي أنهكتنا الحروب معها طول هذه السنين".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية