محلب والرباط
لا أميل إلى المدح أو كيل الثناء للأشخاص مسئولين كانوا أم مقربين، فقد أوصلنا طول المقام في صفوف المعارضة إلى التعامل بحذر مع الشخصيات التي تتبوأ المناصب القيادية في الدولة خشية الاتهام بالنفاق والانتهازية، غير أن النظر دائما إلى نصف الكوب الفارغ لا يقل عيبا عن الابتعاد عن قول كلمة طيبة في حق من يحسنون العمل بتفان وإخلاص.
اليوم أجدني راغبا وبقوة في توجيه تحية عابرة إلى اثنين من وزراء حكومة الدكتور حازم الببلاوي التي تواجه هجوما عنيفا، واتهامات بالضعف والأيادي المرتعشة، وبالضرورة، فإن إطلاق الثناء على أي مسئول لا يمثل منحه شيكا على بياض للوقوف إلى جانبه ظالما أو مظلوما، فقط هو إنصاف في مواقف بعينها، وتقديرا لأعمال ظاهرة للعيان، وربما الموقف من المسئول ذاته يتغير إذا لم يحسن التصرف في ملفات أخرى.
ومن واقع النظر للنصف المليء من الكوب، يبدو المهندس إبراهيم محلب، وزير الإسكان نسيجا مختلفا عن غالبية أعضاء دولاب الحكومة، في نشاطه الملحوظ وتحركاته التي لا تهدأ، من محافظة إلى أخرى، ساعيا لحل مشكلة هنا، ومتابعة تنفيذ مشروع هناك، تقوده روح العمل المتواصل ليلا ونهارا بعد أن اكتسبها على ما يبدو من خلال توليه قيادة شركة "المقاولون العرب"، الصرح الوطني المعروف بإنجازاته في الداخل والخارج على مدى عقود.
تجاهل محلب أنه في حكومة مؤقتة تغري وزراءها بالتقاعس عن المبادرة واتخاذ ناصية الأمور، بحجة أنهم في سبيلهم للمغادرة بعد أشهر قليلة، ومن ثم لا داعي للتورط في أعمال تحسب سلبياتها عليهم، ولا تنسب إيجابياتها لهم، وشمر الرجل عن ساعديه هاجرا المكاتب الوثيرة، وحصار الاجتماعات الروتينية المملة، ونزل إلى الميدان لوضع لبنات يمكن البناء عليها إن بقي في موقعه، أو تكون دافعا لمن يخلفه لإكمال ما بدأه.
العقبات التي تقف أمام محلب ليست بالقليلة، والظرف الذي تمر به مصر يجعل من عمل الوزارات الخدمية بالأساس غاية في الصعوبة، غير أن المتابع للمهندس محلب يجد في عينيه نظرة تحد مطلوبة من كل مسئول كي نعبر هذه المرحلة الدقيقة من عمر بلدنا التي تواجه صعوبات ومشكلات داخلية وضغوطا خارجية هائلة.
المسئول الثاني الذي يستحق كلمة طيبة من وجهة نظري أيضا هو الدكتورة مها الرباط وزيرة الصحة، فرغم أن البعض قد يتهمها بالميل إلى الاستعراض في جولاتها على مديريات الصحة والمستشفيات الحكومية، فإن السيدة تحلت بروح المسئولية الأسبوع الماضي، ففور وقوع التفجير الإرهابي الذي استهدف مبنى مديرية أمن الدقهلية، غيرت الرباط طريقها من افتتاح مستشفي في القليوبية، وانتقلت مسرعة إلى المنصورة لمتابعة عمليات الإسعاف والعلاج لمصابي الهجوم الجبان.
طبعا ربما تكون مشكلات وزيرة الصحة مع الأطباء حول الكادر، تعطي انطباعا أن الرباط عاجزة عن إيجاد مخرج لتهديدات الأطباء بالإضراب الجزئي مطلع العام الجديد، وما يمثله من أزمة لملايين المرضى الذين يترددون على المستشفيات الحكومية التي تعاني بدورها من تركم الإهمال عبر السنين.
قد يتفق البعض معي أو يختلف على اختيار محلب والرباط باعتبارهما نموذجين جيدين في حكومة الببلاوي المليئة بالثقوب، غير أنني أقول كلمتي انطلاقا من أن النقد يتلمس الوجه الإيجابي في بعض الأوقات، ولو بدافع بث الأمل ونحن نخطو لعام جديد.