رئيس التحرير
عصام كامل

«أردوغان يتوه في مغارات الباب العالي».. نجله الأكبر «بلال» متهم في قضايا رشوة وفساد.. «جولن» يوجه ضربات قاضية لـ«طيب» بدعم أمريكي.. رجال الأعمال والشرطة والقضاء

رئيس الوزراء التركي
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان

يقولون «ابن البط عوام»، وهذا المثل الشعبي يردده البعض في حالة التميز وتوارث النجاح من الأب لنجله، وبالفعل أثبتت تجربة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ذلك لكن بـ«السلب»، وتحديدًا بعد أن كشفت صحف تركية عن حالة الفساد التي تنخر في «الجسد الأردوغاني» يقودها «بلال أردوغان» نجل «سلطان تركيا»، قد تدخله السجن من أوسع أبوابه.


ورغم التعديل الوزاري الواسع الذي أجراه أردوغان بشكل عاجل، إلا أن رئيس الوزراء التركي وضعه في موقف ضعيف، بسبب فضيحة الفساد غير المسبوقة التي هزت تركيا، وباتت تهدد أسرته مباشرة، خصوصًا نجله «بلال».

وبدلًا من أن يهدئ التعديل الوزاري العاصفة التي أثارها القضاء الأسبوع الماضي، توارى التعديل الحكومي ليطغى على الساحة الصراع المشتعل بين مدعي اسطنبول المكلفين للتحقيق في الملف، وبين قيادتهم على خلفية الحرب بين السلطة الإسلامية المحافظة ومنظمة الداعية الإسلامي فتح الله كولن.

وبعد أيام من الشائعات أكدت وسائل الإعلام التركية أن التحقيق بدأ يتجه إلى أحد نجلي أردوغان، وذكرت صحيفة «ملييت» أن رئيس الحكومة أعرب عن قلقه للمقربين منه، قائلًا إن «الهدف الرئيسي لهذه العملية هو أنا».

أما صحيفة «جمهوريت» المعارضة فتوقعت أن يحدث زلزال في قمة الدولة، بعد تورّط منظمة غير حكومية في هذه الفضيحة، وهي المؤسسة التركية لخدمة الشباب والتربية «تورغيف»، التي يرأسها بلال النجل الأكبر لأردوغان.

وفي تقرير لـ«BBC» فإن نهاية «2013» تشهد إصدار المحققين اتهامات بالفساد ضد أنصار وحلفاء أردوغان، خصوصًا أن بعض الأتراك لهم تظلمات ومآخذ على الطريقة التي يدير بها رئيس الوزراء البلاد.

ويتهم معارضو أردوغان بعدم التواصل مع الناس العاديين، بل ويقول البعض إنه مصاب بالغطرسة، وهي حالة كثيرا ما يصاب بها القادة الذين يقضون في الحكم 10 سنوات أو أكثر، وكانت أول الاحتجاجات قد اندلعت في مايو ضد خطط الحكومة تحويل ميدان «جيزي» باسطنبول إلى نموذج لثكنة عسكرية، ولكن الاحتجاجات البيئية سرعان ما تحولت إلى احتجاجات عارمة ضد ما قال المحتجون إنه أسلوب أردوغان التسلطي، وضد الطريقة التي تحاول حكومته بها تغيير معالم إسطنبول دون استشارة سكانها.

«أردوغان» أخذ وضعية المهاجم وبطريقة السباب التي أعتادها - حسبما أكد الباحثون الأتراك- وصف المتظاهرين بـ«الحثالة» وأمر الشرطة بإعادة احتلال ميدان جيزي، الميدان مفتوح الآن، ولكن مصيره لا يزال مجهولا، بينما يقوم القضاء بالنظر في خطط الحكومة، وفي التاسعة من كل مساء، كان سكان الأحياء الذين يعارضون أردوغان يدقون الأواني ويحدثون أصواتًا شديدة للتعبير عن تحديهم لحكومته وخططها، وكانوا يطالبونه بالتنحي، ولكنه لم ير أي سبب يدعوه لذلك.

وبعد مرور بضعة أشهر، عادت بعض المظالم التي أثارت الاحتجاجات الأولى للظهور، لكن الآن يبدو التحدي الذي يواجهه أردوغان أخطر بكثير، ففي 17 ديسمبر الجاري، نفذ محققون ورجال الشرطة حملة مداهمات شملت أكثر من 50 من رجال الأعمال منهم ثلاثة من أبناء وزراء في حكومة «أردوغان»، واتهم المحققون رجال الأعمال بالفساد، وخصوصًا بعد قيامهم بتقديم أو تسلم رشاوى من أجل تمرير مشاريع إنشائية في إسطنبول يثير حولها الشبهات.

وكان الخيط المشترك بين احتلال ميدان جيزي- في مايو الماضي- ومداهمات ديسمبر أبرز ملامح وصول الصراع لأشده في التحولات التي تشهدها مدينة إسطنبول العاصمة الاقتصادية لتركيا.

وفي محاولة للخروج من المأزق، اتهم «أردوغان» حركة «فتح الله جولن» بالوقوف وراء الكشف عن فساد حكومته، ويدير جولن من مقره في ولاية بنسلفانيا الأمريكية منظمة اجتماعية وثقافية إسلامية لديها أكثر من ألف مدرسة في سائر البلاد الإسلامية بما فيها تركيا.

ويثني أتباع «جولن» عليه لأنه يدعو إلى نموذج معتدل من الإسلام، ويقولون إنه يستحق جائزة نوبل للسلام، وكان مؤيدو جولن في تركيا لعدة سنوات من أنصار أردوغان، فقد كانوا يشاركونه الإيمان بضرورة أن يلعب الإسلام دورا أكبر في إدارة الدولة التركية العلمانية.

وعلى أساس دعم «جولن» حقق أردوغان استفادة واسعة من دعم ومساندة الحركة المذكورة له في فوزه بثلاثة انتخابات عامة، وكان لحركة جولن ومؤيديها في القضاء والشرطة دور أساسي في تطبيق قرار الحكومة إزاحة الجيش من عالم السياسة.

«بلند كينيش»، رئيس تحرير صحيفة زمان المتعاطفة مع حركة جولن يقول: «ليس هناك مقياس محدد لقياس مدى التعاطف الشعبي مع أفكار جولن، ففي تركيا الكل يعلم أن المتعاطفين مع جولن موجودون في كل مكان، في الإعلام وقطاع الأعمال والشرطة والحكومة والبرلمان والجيش والقضاء».

وحركة جولن لم تكن راضية على الطريقة التي تعامل بها أردوغان مع المحتجين في ميدان جيزي، كما أغضبهم قرار الحكومة في نوفمبر الماضي بإغلاق عدد من المدارس الخاصة – بعضها عائد لحركة جولن التي يطلق عليها أيضا اسم حركة حزمت (أي الخدمة).

ويعتقد كثير من الأتراك أن شبكة جولن التي قضت على الدور الذي كان الجيش التركي يلعبه في الحياة السياسية هي ذاتها التي تطارد الآن حلفاء أردوغان، ومن هنا دب الصراع بين الشخصيات.

إحدى المتظاهرات ضد الفساد في حي بشيكتاش بإسطنبول، قالت: «إن الصراع بين جولن المختبئ خلف الستار ورئيس الحكومة الذي يقف في الواجهة صراع بين قوتين وشخصيتين»، ورد رئيس الحكومة على اعتقال بعض حلفائه بطرد عدد من كبار ضباط الشرطة، ولكن صراع القوة بين أردوغان ومعارضيه من أتباع جولن هز البلاد.

أحمد سيك، الذي أودع السجن لتأليفه كتابا يتناول النفوذ الذي تتمتع به حركة جولن في السلك القضائي، قال: «لن ينتصر أي من الجانبين في النهاية، هذه البداية فقط، وسيخسر الجانبان مصداقيتهما وقوتهما» وسيواجه الجانبان امتحانات في عام 2014.

ففي مارس المقبل، ستجرى في تركيا انتخابات بلدية، وفي الصيف سيختار الأتراك رئيسا جديدا للبلاد، وكان أردوغان قد أجرى في السنة الأخيرة الكثير من التغييرات الهادفة إلى نقل صلاحيات رئيس الحكومة إلى رئيس الجمهورية، المنصب الذي يأمل في الفوز به، ولكنه يواجه الآن خصما منظما من داخل النظام الذي هيمن عليه لعقد من الزمن.
الجريدة الرسمية