رئيس التحرير
عصام كامل

لبنان.. حصاد عام من الفتنة الطائفية وموجات التفجيرات

الوزير اللبناني السابق
الوزير اللبناني السابق محمد شطح

لم يشأ عام 2013 أن يغادر دون أن يترك للبنان ذكرى أليمة لاينساها اللبنانيون باغتيال محمد شطح، وزير المالية السابق ومستشار زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، لتضاف هذه الجريمة إلى سلسلة من الأحداث المأساوية التي مرت بالبلاد التي تعاني فراغا سياسيا في ظل استقالة حكومة نجيب ميقاتي في مارس الماضي.


هذه الاستقالة لم تكن مجرد حدث سياسي، بل أعقبها تعسر تشكيل حكومة جديدة بقيادة تمام سلام الذي كلف بتشكيل الحكومة منذ إبريل الماضي لتستهلك أزمة الفراغ الحكومي الجزء الأكبر من العام الحالي.

ولكن الأزمة السياسية لم تكن الحدث الأهم بل تعرضت البلاد لسلسة من العمليات الإرهابية أبرزها تفجيران استهدفا ضاحية بيروت الجنوبية ذات الغالبية الشيعية ومعقل حزب الله آخرها وأكبرهما وقع في منتصف أغسطس، ثم وقع قرب نهاية الشهر ذاته تفجيران متزامنان استهدفا مسجدين في طرابلس خلال خروج المصلين من صلاة الجمعة في أعنف انفجار منذ الحرب الأهلية.

وطالت موجة التفجيرات السفارة الإيرانية في بيروت في نوفمبر ثم اختتم 2013 مآسيه بتفجير وسط بيروت أمس الجمعة خاطفا روح محمد شطح ومعه 6 آخرين وملحقا الأذى بأكثر من 70 مصابا منهم شاب مصري خرج أمس من المستشفى.

أما الحدث الأبرز في لبنان والذي ترتبطه به معظم وقائع وأهوال عام 2013 فهو تدخل حزب الله في المعارك في سوريا وهو الأمر الذي أوصل الاستقطاب السياسي في البلاد إلى الذروة، كما أنه كان أحد أسباب إسقاط حكومة ميقاتي وتعسر تشكيل حكومة جديدة برئاسة تمام سلام.

كما أن تدخل حزب الله في سوريا يقف وراء الانفجارات التي تنفذها مجموعات أصولية متطرفة وتستهدف مناطق الشيعة والجيش اللبناني، وذلك وفقا لوجهة نظر قوى 14 آذار التي تتهم حزب الله بأنه جلب الحرب السورية إلى بلاد الأرز، بينما يدافع الحزب عن موقفه بالقول إن لبنان شهد عمليات إرهابية قبل الحرب السورية وأن تدخله بمثابة عمل استباقي لمنع التكفيريين من استهداف لبنان، ويضرب الأمين العام لحزب الله مثلا بحالة العراق يبرر به التدخل في سوريا بالقول إن العراق كان قد شهد تراجعا كبيرا في العمليات الإرهابية ولكن بعد الحرب السورية تضاعفت العمليات الإرهابية هناك.

اقتصاديا تلقى لبنان ضربة كبيرة، وهو الاقتصاد الذي يعتمد على التجارة والخدمات والإعلام والفن والسياحة، وكيف يتعايش الفن والسياحة مع الحروب والانفجارات، وكانت الضربة الأقوى هي مقاطعة دول الخليج العربية للبنان سياحيا وهي أكبر مصدر للسياحة إلى لبنان، بل إن الخليجيين يمتلكون قصورا وبيوتا في جبال لبنان أصبحت حاليا خاوية إلا من حراسها مثلها مثل شوارع مصايف جبال لبنان الشهيرة التي أصبحت خالية من السائحين الخليجيين وحل محلهم الميسورين من النازحين السوريين وبعض السائحين العراقيين الذي قللوا من الخسارة.

وبلغ التراجع في حركة السياحة اللبنانية خلال 2013 بنحو12 %، كما تراجع الإنفاق السياحي بنسبة 13 % وتركز الانخفاض على السياح الكويتيين ثم الأردنيين فالقطريين والسعوديين.
كما انخفضت حركة التجارة والصادرات نتيجة للأزمة السورية، في حين بقى قطاع الزارعة هو الوحيد الذي شهد انتعاشا بسبب اتساع قاعدة الطلب الداخلي نتيجة وجود مليون ونصف المليون سوري.

كما صنّفت مجلة "يوروموني"، لبنان في المرتبة 95 بين 184 دولة، وفي الـ 12 بين 22 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي الـ 27 بين 52 دولة ذات الدخل المتوسّط إلى المرتفع، وذلك في مسحها الفصلي عن مخاطر الدول للفصل الثالث من 2013.

ونتيجة لهذه الظروف خفض كل من صندوق النقد والبنك الدوليين توقعاتهما للنمو في لبنان إلى 1،5% ليكون النمو الثاني الابطأ بين 19 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والـ32 الابطأ في العالم في الـ2013.

الفراغ الحكومي شكل عبئا كبيرا بدوره على الاقتصاد اللبناني في الوقت الذي وصل فيه الدين الحكومي لرقم قياسي جديد مما دفع الهيئات الاقتصادية التي تضم رجال ومؤسسات الأعمال أن تتحالف مع غريمها التاريخي الاتحادات العمالية ليتم تنظيم إضراب تحذير في سبتمبر الماضي موجه للسياسيين اللبنانيين بضرورة تشكيل الحكومة، وبصرف النظر عن النجاح الجزئي للإضراب، فإنه لم يجد آذانا صاغية لدى السياسيين اللبنانيين الذي بدا أنه آخر من يهمهم هو الاقتصاديين والعمال.

وهكذا كان عام 2013 عادلا في توزيعه للانفجارات والدماء والأزمات الاقتصادية على طرفي الصراع السياسي في بيروت، وكأن هناك من يسعى بقوة أن يجعله عام الفتنة السنية الشيعية، فتنة تجنبها اللبنانيون حتى الآن رغم التوتر الشديد في البلاد، ورغم الاشتباكات الصغيرة التي تحدث بين السنة والشيعة والسنة والعلويين في مناطق البقاع وشمال لبنان.

ولكن عام 2013 كان أيضا العام الذي أثبت فيه اللبنانيون مدى حبهم وإقبالهم على الحياة، فرغم كل هذه الانفجارات وتداعيات الأزمة السورية والمشكلات الاقتصادية الناجمة عنها والتي تفاقمت بالمقاطعة الخليجية لللبنان سياحيا فضلا عن الفراغ السياسي.. رغم كل ذلك واصل اللبنانيون حياتهم وأصروا على الاحتفال بأعياد الميلاد، فازدانت شوارع بيروت وكل المدن اللبنانية بالأضواء وأشجار الميلاد، وازدحمت المحال حتى بعد تفجير وسط بيروت بالزبائن الذين أقبلوا للاستفادة من التخفيضات.

ورغم كل المشكلات ذات البعد السياسي والطائفي، كان عيد الميلاد فرصة للبنانيين، لتجديد ميثاق عيشهم المشترك، فتنافس المسلمون سنة وشيعة مسئولين ومواطنين على تهنئة المسحييين بأعياد الميلاد وشاركوا معهم مظاهر الاحتفال والبهجة.. وتبادل رجال الدين الإسلامي والمسيحي التهنئة في مشهد فريد يكشف أن اللبنانيين لم يفرقهم الدين ونمط الحياة بقدر مافرقتهم السياسة.

لقد صمد السلم الأهلي اللبناني لحوادث أكبر من اغتيال محمد شطح وخلال عام 2013 تعرض الفريقان في لبنان لضربات أليمة خشي معها المراقبون من انفجار الأوضاع، ولكن ذكريات الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما مازالت تمثل سد منيعا يحول دون إنجراف اللبنانيين إلى الاقتتال الداخلي وبالأخص الفتنة السنية الشيعية، خاصة أن الشيعة والسنة يتعايشان اجتماعيا ويتصاهران بشكل يندر بين الطوائف الأخرى.

ولكن السؤال إلى متى يصمد هذا السد أمام رياح العنف والإرهاب التي قد يكون مصدرها الخارج، ولكن الفرقاء اللبنانيين هم الذين يفتحون لها الأبواب بمواقفهم السياسية وارتباطهم بالمحاور الخارجية.
الجريدة الرسمية