نصيحتى للإسلاميين.. وحكايتى مع الكمين
عندما دعوت الإسلاميين في وقت مبكر، وبالتحديد منذ عام، بهجر مضمار السياسة والتفرغ للعمل الدعوى والخيرى لم أتوقع ردود الأفعال الرافضة ما ذهبت إليه، والتي رأى معظمها أن الوجود على خريطة السياسة واجب وفرض عين تحتمه ظروف المرحلة، حتى لا تترك الساحة للتيارات العلمانية الرافضة حضور الدين في الحياة والسياسة.
كان ردى أننى لا أقرأ الغيب وإنما كانت هناك إشارات قوية عن حادثٍ جَلَلٍ في الطريق، ربما تنقلب فيه السياقات رأسًا على عقب، ويتعرض الإسلاميون لضربة قد لا تبقى ولا تذر.. وقلت لتكن فترة استرخاء من عناء سنوات القهر والتنكيل، في ظل حصولهم على مكسب عدم الاصطدام بعوائق المنع والتكبيل، وهو أهم مكاسب ثورة 25 يناير على الإطلاق.
وقد استنَدَت نصيحتى إلى سد ذريعة المواجهة، باجتناب معارك السياسة، والانكفاء على الدعوة والعمل الخيرى في ظل مناخ الحرية، وتراجع قبضة الأمن السياسي.
ثم حدث ما حدث في 30 يونيو وما بعده.. وما حذرت منه بات واقعًا، وها هم الآن في مواجهات وصلت في ذروتها إلى السجن، وفى أدناها إلى الحصار والملاحقة والمتابعة الخانقة، بعد أن استرد جهاز الأمن الوطنى عافيته.. تلك العافية التي أعادت إلى الواجهة نظام "السيطرة والمتابعة الخانقة"، وأعادت إلى الذاكرة واقعة عشتها بتفاصيل لا تخلو من غرابة وطرافة.
كنت أستقل سيارة بيجو أجرة 7 راكب متوجهًا إلى القاهرة، واستوقفنا كمين مباحث وشرطة ومرور على الطريق الصحراوى الإسماعيلية القاهرة، وكنت وقتها قد أطلقت لحيتى حدادًا على وفاة والدتى رحمها الله.. ألقى ضابط المباحث نظرة على الركاب، وكان من بينهم أشكال سوابق وبطَحْجية واضحة للأعمى، ومع ذلك لم يأمر أحدًا بالنزول من السيارة سوى العبدلله بسبب لحيتى..
ما كان منى إلا الانصياع لسبب بسيط، وهو أننى اكتشفت أنى نسيت البطاقة وكارنيه نقابة الصحفيين.. غادرت السيارة،= وقبل أن أنبس ببنت شفة، سألنى عن اسمى فقط دون السؤال عن مهنتى ولا عن أي معلومة أخرى كالمعتاد فأجبته.. وكانت المفاجأة المُربِكة في السؤال التالى مباشرة ( إنت متابع مع مين؟)!..
التزمت الصمت قليلًا وأدركت ـــوفقًا للمُتَّبَع وقتها ــ أنه يقصد متابعًا مع أي ضابط من ضباط أمن الدولة في نطاق محل إقامتى، باعتبارى ملتح خارج أسوار السجن، مع أنى لا علاقة لى على الإطلاق بالهاجس الذي يدور برأسه.. المهم أنه أعاد السؤال ببعض الحِدًّة: باقول لك انت متابع مع مين؟.. فقلت: متابع مع الدكتورة كوثر بتاعة النسا والولادة.. صمت الضابط قليلًا ثم انفجر ضاحكًا، وعرفته بنفسى، ومرت الليلة التي كانت على وشك السواد بسلام.
اللهم إنى لا أسألك رد القضاء، لكنى أسألك اللطف في الكمائن.