"الاختفاء القسري" كاستراتيجية في النزاع السوري
ذكر التقرير الأخير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن "الاختفاء القسري" جريمة ممنهجة في سوريا، يرتكبها النظام كجزء من حملة واسعة لبث الرعب في نفوس المدنيين، DW أجرت حوارا مع أحد المحققين حول نتائج التقرير.
أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في الثاني والعشرين من أغسطس 2011، قرارا بإنشاء لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية.
عُهد إليها التحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان منذ مارس 2011 موعد انطلاق الانتفاضة الشعبية ضد الرئيس بشار الأسد.
ومنذ ذلك الحين، أصدرت اللجنة أربعة تقارير، معتمدة على مقابلات مباشرة وعبر وسائل الاتصال مع الضحايا والشهود، إضافة إلى تقارير طبية وصور فوتوغرافية وتقارير حكومية وأخرى صادرة عن منظمات المجتمع المدني.
وفي تقريرها الأخير اتهمت اللجنة النظام السوري ومجموعات مسلحة ممارسة الاختفاء القسري كوسيلة للتخويف والترهيب كما يوضح الحوار التالي مع فيتيت مونتاربهورن*.
ما الهدف من وراء الاختفاء القسري؟
مونتاربهورن: الاختفاء القسري سلاح للتخويف والترهيب. والأمر لا يقتصر على قطع صلات المُختَطف بالعالم الخارجي فقط، بل غالبًا ما يتم تعذيبه وفي نهاية الأمر قتله، وفوق كل ذلك، تستخدم الحكومة السورية الاختفاء القسري كسلاح لإرهاب خصومها، ومحيطهم الاجتماعي وعائلاتهم أيضا، والتي ربما تسأل عنهم وتطالب بهم.
من هي الجهات وأجهزة الدولة التي ارتكبت حالات الاختفاء القسري
حسب ما ورد في تقريرنا، تأتي قوات الأمن، والجيش، والمخابرات الجوية على رأس القائمة.
ويُضاف إليها الأجهزة الأمنية الأخرى والميلشيات الموالية للحكومة، وأيضا السلطات الحكومية، التي تسمح بمثل هكذا عمليات وتصمت إزاءها.
في المقابل ومنذ بداية عام 2013، تقوم عدة مجموعات مسلحة مناوئة للحكومة باعتقال أشخاص يُعتقد أن لهم علاقة بالحكومة، وصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، وكذلك رجال دين، ومن ثم تأخذهم رهائن بقصد مبادلتهم بمعتقلين لدى الحكومة أو لطلب فدية.
هذه العملية ترقى لجريمة حرب، بيد أنها لا ترقى للاختفاء القسري بمعنى أن مصير الضحايا لا يتم إنكاره أو إخفاؤه.
هل تغير منحى عمليات الاختفاء القسري خلال النزاع؟
بدأت عمليات الخطف منذ بدء المظاهرات في عام 2011. آنذاك كان يتم إلقاء القبض على المواطنين واقتيادهم من المظاهرات، ومن بيوتهم، ومن نقاط التفتيش والحواجز.
ثم كانت تتم عملية إخفائهم وقطع صلاتهم بالعالم الخارجي. في الوقت الحالي، لم تعد هناك مظاهرات، فبالتالي طرأ تطور على عمليات الخطف، فأصبحت تقتصر على الحواجز والبيوت، بيد أن الخطف، في هذه الأيام، لا تنفذه أجهزة الحكومة فقط، بل وبعض المليشيات الحليفة لها.
كم يقدر عدد ضحايا الاختفاء القسري؟
يستند عملنا على إجراء مقابلات مع شهود وضحايا الاختفاء القسري. منذ بدء التحقيق في عام 2011، قابلنا ما يقارب 3000 شخص. وبلغ عدد الحالات، التي حققنا فيها المئات. بشكل عام، أعتقد أن هناك آلاف الأشخاص، بما في ذلك عائلاتهم، وقعوا ضحايا للاختفاء القسري.
ما موقف القانون الدولي من الاختفاء القسري الممنهج؟
القانون الدولي يعتبر أن الاختفاء القسري الممنهج جريمة ضد الإنسانية، تقتضي المحاسبة على الصعيد الدولي. ولكن، أعتقد أنه يجب محاسبة الجناة على الصعيد الوطني أيضا.
كيف تتصرف عائلات الضحايا إزاء جهلها بمكان ومصير ذويهم؟
الاختفاء القسري عمل موجه ليس ضد المُختطف فحسب، بل وضد عائلته أيضا؛ فالعائلة، التي تجهل مكان ابنها ومصيره، تُعاقب في حال سَألت عنه وفتحت تحقيقًا بالحالة. وقد علمنا بحالات إخفاء قسري لعائلات بأكملها.
وهناك عائلات تعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة ومشاكل نفسية عدة. وذلك بسبب أن العائلة تبقى معلقة في الهواء متأرجحةً بين الرجاء واليأس. ويترك هذا الأمر جروحا عميقة في النفس البشرية، فعندما لا نعرف مصير مَن نحب، لا نستطيع تجاوز خوفنا عليه وحزننا على فراقه.
ما الفائدة من إدانة عمليات الاختفاء القسري في سوريا؟
أولًا وقبل كل شيء، يجب علينا استغلال هذا الأمر لخلق وعي عالمي لمنع الاختفاء القسري، وتحريمه وتقديم مرتكبيه للعادلة. ولذلك فإننا نطالب بما يلي: أولًا، أن يعطي القادة من طرفي النزاع الأوامر إلى مرؤوسيهم بالوقف الفوري لهذه العمليات، وتوضيح أن الجاني سيقدم للمحاكمة.
ثانيًا، نطالب بالسماح لعائلات المخطوفين برؤية أبنائهم.
ثالثًا، نطالب بتوثيق المختطفين وبياناتهم. رابعًا، نطالب بتقديم الجناة للمحاكمة.
*فيتيت مونتاربهورن أحد أعضاء لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل