رئيس التحرير
عصام كامل

حصاد الاقتصاد العالمي في 2013.. تراجع معدلات النمو إلى 2.7 %.. انكماش دول «اليورو» والتوترات السياسية وتلاعب اليابان والصين في أسعار عملاتها أبرز الأسباب.. الاقتصادات الكبرى تقود قاطرة التحو

 صندوق النقد الدولي
صندوق النقد الدولي

يشير معدل نمو الاقتصاد العالمي الذي تحقق في عام 2013 إلى استمرار اتجاه ثابت منذ أربعة أعوام يتمثل في تراجع معدل النمو من عام لآخر.

وتؤكد التقديرات المختلفة الصادرة عن مؤسسات اقتصادية ومالية وبنوك عالمية والصادرة عن المؤسسات الاقتصادية الدولية ومنها صندوق النقد الدولي أن نمو الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري يتراوح بين 2.3% إلى 2.7%، ما يدل على استمرار الاتجاه التراجعي منذ عام 2010.

وكان معدل نمو الاقتصاد العالمي في عام 2010 بلغ 4.9%، ثم انخفض إلى 3.3% في عام 2011، انخفض مجددًا في عام 2012 ليصل إلى 3.1%، ثم تواصل هذا الانخفاض ليبلغ معدل النمو خلال العام الجاري 2.7% فقط، وذلك وفقًا لتقرير حديث أصدرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي مؤسسة أوربية اقتصادية رائدة في التحليلات الاقتصادية وتتبع بيانات الاقتصاد العالمي بشكل شهري.

وبلغ هذا المعدل 2.5% فقط وفقًا لدراسة أصدرتها مؤسسة شركة أبحاث السوق العالمية IHS التي قالت: إن الاقتصاد العالمي لا يزال يبحث عن قوة دفع أمامية منذ وقوع الأزمة المالية التي ضربت الاقتصادات الكبرى منذ أكثر من خمس سنوات.

وعلى الرغم من أن معظم التقديرات تشير إلى أن الربع الأخير من العام الجاري كان هو الأكبر في نسبة النمو مقارنة بالأشهر التسعة الأولى، بلغ معدل النمو 2.9%، إلا أن ذلك لم يكن دليلا قاطعًا على تعافي الاقتصاد العالمي وتأهله لأن يباشر نموًا أعلى في العام المقبل؛ يشير بعض المحللين الاقتصاديين إلى أنه حين تنخفض أسعار الغاز الطبيعي في منشأة كما حدث في فصل الخريف، وحين تتراجع الصادرات الأمريكية كما حدث في شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، فإن ذلك يعني ببساطة أن الاقتصاد العالمي آخذ في تباطؤ النمو.

ويمكن إيجاز أبرز مؤشرات الاقتصاد العالمي في عام 2013 في أن أداء الاقتصاد العالمي في جميع مناطق العالم جاء أقل من التوقعات السابقة، خاصة في الاقتصادات الأكثر تطورًا، مع استثناء ملحوظ لكل من اليابان وألمانيا، وأن الاقتصادات الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية كافحت من أجل الحفاظ على الزخم الاقتصادي، في حين برزت منطقة اليورو كأكبر منطقة عرفت ركودًا اقتصاديًا وشللا شبه تام لمدة 24 شهرًا حتى بلغت معدلات البطالة بها أرقامًا قياسية مرتفعة.

وتتمثل المشكلة الحقيقية في هذا المعدل المنخفض للنمو الاقتصادي العالمي في عام 2013 في أنه جاء مخالفًا للعديد من التوقعات المتفائلة، والتي كان أغلبها يتوقع أن تصل لـ 3.2%، وهو ما لم يحدث.. فعلى سبيل المثال توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في نهاية العام الماضي أن نسبة نمو الاقتصاد العالمي تصل في عام 2013 إلى 3.4%، وها هي تشير في نهاية العام الجاري إلى أن معدل النمو لم يتجاوز 2.7%، وهذا حدث مع العديد من التقديرات الأخرى المشابهة، الأمر الذي يثير بدوره الأسباب التي أدت إلى استمرار تباطؤ النمو العالمي.

وتكمن أبرز أسباب تباطؤ النمو في العجز التجاري الضخم والمستمر في العديد من دول العالم، وهو ما لا يؤدي فقط إلى العجز عن توفير الوظائف وابتعاد فرص الاستثمار في تلك الدول، ولكن يؤدي أيضًا إلى انتقال الأزمات المالية بشكل أو آخر من بلدان العجز التجاري إلى بلدان الفائض التجاري بسبب ضعف حركة الصادرات وفساد بعض الأسواق.

أما السبب الثاني فهو الانكماش الاقتصادي الذي ساد خلال العامين الأخيرين في دول المنطقة الجنوبية بمنطقة اليورو، وهي (فرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال، واليونان، وقبرص)، إذ دخلت هذه الدول في شرك العجز التجاري الذي سبب الكساد وضعف الإنفاق الاستهلاكي، ويعزى ذلك إلى أنه للعام الثاني على التوالي يكون معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في عموم هذه المنطقة الجنوبية سالبًا، بلغ – 0.6% في عام 2012، وانخفض في العام الجاري إلى – 0.4%.

ويتمثل السبب الثالث في أن العديد من الحكومات التي تتمتع بفائض تجاري، يشمل ذلك اليابان والصين وتايوان وكوريا الجنوبية وروسيا وفنزويلا وسنغافورة، استمرت في انتهاج سياسات تجارية حمائية عبر فرض العديد من القيود التجارية على الواردات وعلى إعانات الصادرات والتلاعب في أسعار عملاتها التجارية حتى تضمن تشغيل الفوائض التجارية مع الشركاء التجاريين، ودون أن تتأثر كثيرًا بما يجري في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، ولذا استمر تزايد عجز الميزان التجاري بين الصين والولايات المتحدة على سبيل المثال، والذي ارتفع إلى 321 مليار دولار أمريكي خلال العام الأخير.

أما السبب الرابع فهو أن التوترات السياسية في بعض المناطق والدول أسهمت في تباطؤ معدلات النمو بها وانخفاض حاد في أسعار الأسهم والسندات وانخفاض قيمة العملات، لاسيما في تلك البلدان الاقتصادية المهمة التي تحتاج إلى تمويل خارجي كبير من أجل دفع اقتصاداتها، وشهد بعضها احتجاجات شعبية، مثل البرازيل وتركيا والهند وإندونيسيا وجنوب أفريقيا.

وحول توقعات عام 2014، تقول القاعدة الاقتصادية إن الاقتصاد العالمي ينمو بشكل أسرع إذا تمكنت بلدان العجز التجاري الهائل من خفض هذا العجز، ويتم ذلك من خلال زيادة الصادرات إلى البلدان التي لديها فائض تجاري، كما يرتبط ذلك بعدم التلاعب من هذه الدول الأخيرة في أسعار العملات، وهو ما أكده بنك الشعب الصيني مؤخرًا، حيث ذكر أنه سوف يعمل على تعزيز الانتعاش الاقتصادي العالمي من خلال إنهاء التلاعب بالعملة وعدم فرض قيود جديدة على المنتجات الأجنبية، وهو ما يساعد إذا حدث على تسريع وتيرة النمو في عام 2014، مع أن هذا الأمر يبدو محفوفا بالكثير من التحديات.

ويمكن إيجاز أبرز التوجهات بشأن التوقعات لعام 2014 في أن دورة الاقتصاد العالمي تنتعش بشكل أكبر من عام 2013، وأن معول ذلك هو استعادة قوة وزخم الاقتصاد الأمريكي والانتعاش الأوربي، فهما يعتبران بمثابة الرياح الخفية لتحقيق نمو أفضل، وأن الأسواق في الدول الاقتصادية الصاعدة تستمر في حفظ النمو المتوازن في الاقتصاد العالمي، وأن مخاطر الهبوط الاقتصادي تنحسر تدريجيا نتيجة بعض السياسات العالمية المالية، وأن التحديات لا تزال كبيرة.

وتوقع تقرير صدر مؤخرًا عن الأمم المتحدة أن الاقتصاد العالمي وصول النمو إلى 3% في عام 2014 وبمعدل 3.3% في العام التالي، وتتنبأ مؤسسة HIS بأن الاقتصاد العالمي سوف ينمو بنسبة 3.3% في عام 2014، في حين تتنبأ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأنه يبلغ 3.6%، ويذهب بنك "كريدي سويس" إلى أنه سيبلغ 3.7%.

وتعتمد هذه التنبؤات بشكل إجمالي على ما يمكن تسميته "التوقعات المشروطة"، فهي تؤسس ذلك على مؤشر أساسي يرتبط بنمو الاقتصاد العالمي في الربع الأخير من عام 2013 بنسبة 2.9%، وتربط ذلك بأمور عديدة من أبرزها: أن الاقتصادات الكبرى ممثلة في الصين والولايات المتحدة وأوربا تقود قاطرة التحول الاقتصادي من خلال أسواق التصدير المتنامية، وهذا مرهون بارتفاع نمو الإنفاق الاستهلاكي الأمريكي بمعدل أكبر من العام السابق وبإنهاء الحكومات الأوربية لبرامج التقشف لأنهما عاملان جوهريان لتسريع وتيرة النمو العالمي.. وبتوقف الصين عن سياسة القيود التجارية على الواردات والتلاعب بالعملة، هذا علاوة على استمرار صمود الاقتصادات الناشئة التي يتوقع أن تعرف نموًا أكبر في عام 2014، خصوصًا إذا ما زادت الصادرات إلى الصين والولايات المتحدة وأوربا.

لكن هذه الإجراءات تواجه تحديات عديدة منها: أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سوف يبدأ في إنهاء برامج التحفيز الضخمة تدريجيًا خلال العام المقبل كانعكاس للتعافي النسبي الأمريكي، وكذلك يسهم ارتفاع أسعار السلع الأساسية في دول الاقتصادات الناشئة في الحد من نسبة النمو، كما لا يتوقع تخلي العديد من الحكومات الأوربية عن برامج التقشف في العام المقبل، وهو ما يعني أن التحسن الطفيف الذي قد يشهده نمو الاقتصاد العالمي لن ينعكس بالإيجاب على الذين فقدوا وظائفهم خلال السنوات القليلة الماضية، حيث يتوقع أن تصل نسبة البطالة 7.9% في عام 2014 في انخفاض طفيف عن معدلها عام 2013، والذي يبلغ 8.1%.

من جانب آخر يستلزم نجاح هذه الإجراءات السابقة انتهاج سياسات نقدية ومالية أكثر اتزانًا يتم تطبيقها في الاقتصادات الكبرى، والتي تمثل بحسب تعبير بنك "كريدي سويس" ركلة البداية للنمو العالمي، لأن هذه السياسات المتوازنة هي ما قد تجنب التوترات التي سوف تشهدها الأسواق الدولية مع توقف بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي عن ضخ 85 مليارا خلال العام المقبل.

كما تشير مؤسسة "ستاندارد آند بورز" إلى أن البنوك المركزية الثلاثة الأكبر في العالم، وهي: بنك إنجلترا وبنك اليابان والبنك الوطني السويسري، تضخ نحو تريليون دولار في الاقتصاد العالمي في عام 2014، مقارنة بـ 1.6 تريليون دولار في عام 2013، وهو ما يقتضي الحذر في انتهاج سياسات نقدية واضحة خاصة أن النظام المالي العالمي أصبح أقل عرضة للخطر خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة كما يشير بنك "كريدي سويس".

وتبدو محصلة ما سبق أنه رغم التوقعات المتفائلة بشأن نمو الاقتصاد العالمي في عام 2014، وبإمكانية عودته إلى المتوسط الطبيعي الذي ساد خلال العقود الثلاثة الأخيرة قبل الأزمة الاقتصادية العالمية ليدور حول نسبة 3.5%، إلا أن حالة عدم اليقين تبقى هي المسيطرة داخل الاقتصادات العالمية الكبرى، فالولايات المتحدة لم تحقق في عام 2013 نسبة نمو في الناتج المحلي الإجمالي تشير إلى اقتراب نهاية الأزمة الاقتصادية والمالية، وثمة خلافات سياسية محتملة مجددًا بشأن الدين العام والميزانية العامة.

وفي منطقة اليورو لا يرجح أن تنتهي حالة الركود الطويلة سريعًا، بل إن معدل الصادرات الألمانية قد انخفض لأول مرة هذا العام منذ عقود طويلة، فيما لا تزال اليابان تواجه بعض المشكلات الاقتصادية حتى رغم تحقيقها لنمو مقبول داخليًا، هذا فضلا عن انخفاض نمو الناتج المحلي الصيني من 10% سنويًا ليبلغ 7.6% في عام 2013، وانخفاض معدل نمو الناتج الهندي من 9% إلى 4.4%، وهو ما يعني أن ثمة صعوبات تعترض أكبر اقتصادين صاعدين على المستوى العالمي.
الجريدة الرسمية