من ربح الحرب؟
فى نهاية الحرب العالمية الثانية، كان الوضع هكذا: نحو 27 مليون قتيل روسى (أكثرهم مدنيون)، نحو 300 ألف قتيل أميركى، ما يزيد قليلا على ذلك من البريطانيين.. وكان هناك ثلاثة منتصرين كبار: جوزف ستالين فى موسكو، فرانكلين روزفلت فى واشنطن، ونستون تشرشل فى لندن.
قبيل الانتصار بقليل توفى روزفلت وحل مكانه نائبه هارى ترومان، الجهل مكان الخبرة، وبعد ثلاثة أشهر سقط تشرشل فى الانتخابات وفاز العمالى كليمنت أتلى، العادى مكان المتألق، وفى المقابل ظل ستالين الحاكم منذ 1929 فى مكانه، يتمتع بشعبية واسعة فى روسيا والعالم الشيوعى.
خرجت بريطانيا محطمة اقتصاديا، والاتحاد السوفييتى رمادا، وأميركا البعيدة عن ساحات الحروب اتجهت إلى الازدهار على نحو عجيب. «الجاهل» ترومان كان حوله إدارة يتعلم منها، والعادى أتلى كانت حوله مؤسسة تدير البلاد، وستالين كان شخصية قوية محاطة برجال أكثرهم مضطربو العقول، بينما توفى روزفلت وتقاعد تشرشل، كان ستالين منهكا ووحيدا يمسك البلاد برعب لم يعرف من قبل فى التاريخ: غمزة منه كانت تعنى الفرق بين الموت والحياة.
بقيت أميركا فى قارتها، إلى حين، وبريطانيا فى إمبراطوريتها، ونال الاتحاد السوفييتى المجاور أوربا الشرقية لقاء تضحياته البشرية التى بلغت 90 ضعف الخسائر الأميركية.
بعد قليل تفرق حلفاء الحرب الحارة والمدمرة ليدخلوا فيما عرف بالحرب الباردة، أى الصراع على النفوذ من دون المواجهة المسلحة المباشرة. أغلق السوفييت الستار على عالمهم الاشتراكى، وبدأ البريطانيون مرغمين فى تصفية الإمبراطورية، وطفق الأميركيون يوسعون ازدهارهم التجارى حول العالم.
بعد نحو نصف قرن، كانت الصورة هكذا: الاتحاد السوفييتى ناقصا أوربا الشرقية، بريطانيا دولة وسطى مزدهرة، أميركا مدينة لكنها أقوى اقتصاد فى العالم. من ربح الحرب؟
الصين: ألغت الرعب وأبقت الهيبة، حررت الاقتصاد وضبطت السياسة، تصالحت مع روسيا وقلدت أميركا، غزت أفريقيا وظلت تهتف ضد الاستعمار، تركت المسرح الدولى للأميركيين واحتلت المسرح التجارى فى أميركا، دفعت الروس إلى الواجهة وجلست خلفهم، تركت بوتين يتصور محلقا فى الطائرات الشراعية وأبقت صورة ماو على العملة «الرأسمالية» التى كان يريد دفنها فى مزابل التاريخ.
الانحناءة الصينية تحصد نتائج الحروب والسلام.
نقلاً عن الشرق الأوسط