رئيس التحرير
عصام كامل

عيون وآذان (وين كنا ووين صرنا)


وجدت الملكة رانيا سعيدة فى دافوس، كنت رأيتها فى اليوم التالى للانتخابات البرلمانية فى الأردن، وهى أبدت ارتياحها لنسبة الإقبال على التصويت، فقد كانت بحدود 57 فى المئة برغم المقاطعة، كما أنها خلت من عنف أو مشاكل، فهذه بدأت فى اليوم التالى وعلى أيدى الخاسرين كالعادة.

وغابت البسمة عن وجه الملكة وهى تتحدث عن الثورة المستمرة فى سورية والقتل اليومى، وقالت إن الأردن يفعل كل ما فى وسعه لمساعدة اللاجئين السوريين على أراضيه، فأعدادهم فى ازدياد، ويوم كنت أحدثها كانت هناك أخبار عن ألوف آخرين من السوريين عبروا الحدود إلى الأردن.
ذكّرت ملكة الأردن بحديث لى معها فى المكان نفسه قبل ثلاث سنوات، فقد كانت حكت لى عن زيارة خاصة قامت بها مع الملك عبدالله الثانى إلى سورية، فكان الرئيس السورى وقرينته السيدة أسماء يأخذان الضيفين فى سيارتهما الصغيرة للسياحة أو إلى مطاعم العاصمة.
قلت للملكة رانيا إننى رأيت الدكتور بشار خلال الاحتفال بألفية مار مارون فى حلب، فقد استضافنا الرئيس السورى على غداء وكنت أودعه والسيدة أسماء وحكيت لهما سعادة ملك الأردن والملكة بالزيارة. وقال الدكتور بشار إنه وزوجته سُرّا كثيراً بالضيفين، وسيردان لهما الزيارة قريباً.
تركت الملكة رانيا وأنا أفكر «وين كنا ووين صرنا»، قبل سنتين فقط لم تكن عند بشار الأسد مشكلة تُذكر فى بلاده، والآن ليس عنده شىء غير المشاكل أو المآسى إذا شئنا الدقة، فالنظام اختار العنف رداً على تظاهرات بدأت سلمية، فتحولت إلى ثورة مسلحة و60 ألف قتيل حتى الآن، مع أن الرقم قد يكون أقل من الحقيقة.
الاجتماع السنوى للمنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس ضم جلسة عن مستقبل سورية، شارك فيها الأمير تركى الفيصل، ووزير خارجية الأردن ناصر جودة، ووزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو، والمفكر اللبنانى غسان سلامة، ورجل الأعمال السورى أيمن أصفرى.
الكل اتفق على وجوب تغيير النظام، ولكن اختلفت الآراء حول طريق الوصول إلى التغيير المطلوب، وفى حين سمعت آراءً قيّمة فإننى أخشى أن تطول الأزمة، وأن يدفع مزيد من السوريين الأبرياء أرواحهم ثمناً للعناد المتبادل، والرئيس المشكلة يطرح نفسه حلاً، والمعارضة ترفض التعامل معه.
الأمير تركى قال إن وقف القتل أهم من الحديث عن الذى ربح والذى خسر، وتحدث عن «عبقرية» بشار الأسد الذى استطاع فى أسابيع أن يخسر ثقة العالم كله. والأخ أيمن أصفرى عكس وجهه ما يعتمل فى داخله من حزن، وهو يقول إن أربعة ملايين سورى شُرِّدوا داخل بلادهم وخارجها، وأن مليون سورى يواجهون خطر المجاعة إن لم تصل إليهم مساعدات.
الوزير داود أوغلو قال إن تركيا تؤيد الشعب السورى من اليوم الأول، ولا حدود لهذا التأييد، وشكا من دول لم تفعل شيئاً للشعب السورى ثم تنتقد تركيا.
الأخ ناصر جودة سأل هل يقوم هناك فراغ إذا سقط النظام، وهل تنتهى سورية فى ثورة سنّية ضد العلويين؟
لا أعرف إذا كانت الثورة السورية ستنتهى غداً أو بعد خمس عشرة سنة كما حدث للحرب الأهلية فى لبنان. ما أعرف هو أن الشعب السورى ضحية يومية، وأن العرب لا يساعدونه، وأن العالم الخارجى يكتفى بالكلام والمشاعر الفيّاضة... الكاذبة.
بعد يوم من حديثى مع الملكة رانيا سمعت الملك عبدالله الثانى يقول فى القاعة الكبرى لمركز المؤتمرات إن لا شىء أخطر من القول: ننتظر ونرى. وهو رأى أن الانتظار يجعل المشكلة أسوأ وحلها أصعب.
السوريون ينتظرون منذ سنتين ونحن ننتظر معهم، وربما كنا ننتظر غودو الذى لم يأتِ فى المسرحية المعروفة التى تحمل اسمه.
مع ذلك أريد أن أختتم بشىء أفضل، فأحيى أميراً سعودياً شاباً حاول مجرم الحرب إيهود باراك السلام عليه فرفض وابتعد، كما أحيى الزميلة ريما مكتبى من تليفزيون «العربية»، فقد أدارت الجلسة عن مستقبل سورية بمهنية خالصة وموضوعية، وكانت لغتها الإنجليزية راقية، ومع هذا كله فهى استعدت للجلسة بدراسة موضوعها، حتى إننى وجدتها تعرف طول الطريق من دمشق إلى حدود الأردن، ومن دمشق إلى عمّان. أرجو أن يكون مثلها الشباب مستقبل الأمة ليكون للأمة مستقبل.
نقلاً عن الحياة اللندنية
الجريدة الرسمية