رئيس التحرير
عصام كامل

جمال البنا.. قصة مفكر "1"


لا يعد الكاتب والمفكر جمال البنا، الذى غيبه الموت أمس عن 93 عاما.. مجرد شخصية مثيرة للجدل بسبب آرائه التى يضرب بها فى صميم الإسلام، كما يرى البعض، بل إن الكثيرين كانوا يعتبرونه مروجا للتخاريف والأكاذيب.

وجمال البنا.. هو شقيق مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، ولا يعترف الأزهريون بأفكاره ولا يقرونه على شىء مما اعتبره اجتهادات، وتعرضت كتبه للمصادرة بسبب تصادمها مع أبسط الثوابت الدينية، بحسب من يرون أنفسهم أوصياء على الإسلام.
أنكر "البنا" بعضا من السنة النبوية، وطعن فى صحيحى البخارى ومسلم، وأسقط حد الردة، وأباح التدخين فى نهار رمضان، وأجاز القبلات بين الشباب، ولم يعترف بفرضية الحجاب زاعما أن القرآن الكريم لم يأمر به واعتبر الاختلاط ضروريا، والفصل بين الجنسين "وحشية بغيضة"، ولم يبد غضاضة فى أن تؤم المرأة الرجال فى الصلاة، ووصف معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم بـ"الوهمية"، وأسقط فريضة الجهاد.
زعم البنا أن الإسلام لم يفرض الحجاب على النساء المسلمات، فقال إن الحجاب فُرض على الإسلام ولم يفرضه الإسلام، فشعر المرأة ليس عورة بل يمكنها أن تؤدى صلاتها بمفردها وهى كاشفة للشعر.
وشدد البنا على أنه ليس فى القرآن الكريم أو السنة ما يأمر بالحجاب مطلقا، وقال إن الاختلاط ضرورى، فهو من الطبيعة والفطرة لأن الفصل بين الجنسين «عملية وحشية».
وقال إن المرأة حرة فى اختيار زوجها مهما كان عمرها ما دامت تتصرف فى أموالها وأشيائها، فكيف لا تتصرف فى عقد الزوجية الذى يقرر مصير حياتها كله؟
وقال: مسألة الشهود فى الزواج ليست مطلوبة تماما، فالغرض منها التوثيق والتأكيد على أن العملية جادة، حرصا على الحقوق والواجبات فى حالة الطلاق أو الموت، كالميراث مثلا أو نسبة الأولاد والشهود لتثبيت ذلك؛ مستندا إلى أنه لم يكن فى العصور الإسلامية الأولى لا توثيق ولا شهود.
ومن الزواج إلى الطلاق.. رأى البنا أنه لا يجوز مطلقا للرجل أن يُطلق منفردا، لأنه تزوج بصفة رضائية، ولذلك تقتضى صحة الطلاق رضا الاثنين واتفاقهما على الانفصال، ولكن أن يقوم بتخريب بيتها وتدمير حياتها ويحرمها من أولادها فهذا منتهى الإجرام والظلم للآخر، ومن ثم مهما حلف الزوج بالطلاق من الصباح حتى المساء فهذا لا يعد طلاقا، الطلاق يتم باتفاق تتقبله المرأة.
أجاز البنا أن تؤم المرأة الرجال فى الصلاة إذا كانت أكثر علما بالقرآن، ووضع فى ذلك كتابا اسمه «جواز إمامة المرأة الرجال»، حيث رأى أن الإمامة عملية تحتاج إلى مؤهل، وليست حقا فطريا، وقد وضع الرسول الكريم هذا المؤهل وهو العلم بالقرآن، فجعل صبيا يؤم قومه بمن فيهم الشيوخ لأنه كان أعلمهم بالقرآن، وجعل عبدا يؤم الصحابة كلهم وكان من بينهم أبوبكر وعمر.
فإذا كانت المرأة أعلم ممن تؤمهم فهى أحق بالإمامة، ولكنها تغطى شعرها، فهى هنا فى صلاة جماعة، وبالتالى فإن الأمر بالنسبة لغطاء الشعر يختلف فيما لو كانت تصلى بمفردها، فصلاة الجماعة تحتاج إلى الضوابط وبالطبع لا توجد من ستصلى إماما بالناس وشعرها مكشوف.
وقال: قابلت فى قطر الدكتورة آمنة ودود التى فجّرت موضوع قيام المرأة بإمامة المصلين، وهى سيدة محتشمة جدا وتغطى رأسها وعلى علم، وأعطيتها نسخا من كتابى حول هذه القضية!!
اعتقد البنا أن الخروج من الإسلام إلى ديانة أخرى لا يُعدُّ كفرا، وشرح ذلك قائلا: «فى واقع الحال.. الأديان السماوية الثلاثة دين واحد، وهذا هو الإسلام فى النهاية الذى يضم فى تعاليمه الدينين السابقين، اليهودية والمسيحية، ويعترف بأنبيائهما، ولا يجب أن نطلق لفظ "كافر" على من ينتقل من دين إلى آخر من هذه الأديان، لأنه لايزال فى مجال الإيمان بالله، بشرط أن يظل مؤمنا بأن الدين الآخر سماوى ونبيُّه مُرسل من الله وهو ما يشتمل عليه الإسلام».
وقال فى بحث مطول: «ليس فى الكتب المقدسة لليهودية والمسيحية نصّ يعترض على الإسلام، الذى لم يكن قد ظهر بعد، وأن الإسلام يختلف عنهما بأنه لا يعترف بمؤسسة دينية تقف بين الإنسان وربه، وتكون لها سلطة التحليل والتحريم وتقوم بدور المحامى عن الإسلام، بل إن القرآن شن حملة شعواء على رجال الدين اليهود والمسيحيين واتهمهم بتحريف الكلم عن مواضعه».
استعان البنا بـ11 دليلا على ذلك، منها: أن الله استبعد إيمان الناس جميعا بالإسلام، واستنكر إكراه الناس على أن يكونوا مؤمنين.
وحول تعبير «الكافرون» فى السورة القرآنية التى تحمل نفس الاسم قال: «يعنى الذين لا يعترفون بالإسلام، ولم يكن القرآن ليعدد هؤلاء من مسيحيين أو يهود أو صابئة أو بوذيين، فالمسيحيون بالنسبة للمسلمين كفار. لأنهم لا يؤمنون بالإسلام، والمسلمون بالنسبة للمسيحيين كفار لأنهم لا يؤمنون بالمسيحية».
واستطرد بأن سورة «الكافرون»، قنّنت وأيدت التعددية الدينية وأن «الإسلام يؤمن بالأنبياء لأنه يرى أنهم بلغوا رسالة الدين الحقة، ولكن هذه الرسالة تعرضت للتحريف على أيدى المؤسسة الدينية ومن خلال الترجمات».
وأضاف: الإسلام نصَّ على تعدد الشرائع ويحرص على حرية الفكر والاعتقاد، وأن «القرآن ذكر الردة مرارًا ولم يُرتّب عليها عقوبة دنيوية، كما أنه ارتدّ فى حياة الرسول كثيرون ولم يعاقبهم، إلا إذا اقترنت الردة بقتل وانضمام إلى الأعداء».
وأشار إلى أن ما يرتبه الفقهاء من عقوبات على الردة، أمر من «المؤسسة الدينية»، التى حاولوا غرسها فى الإسلام.
واستطرد: «الدين اللاحق لا ينسخ الدين السابق، فالإسلام لم ينسخ المسيحية، والمسيحية لم تنسخ اليهودية، ولم يأت دين ينسخ الإسلام، ولهذا فإن من الممكن للأديان الثلاثة «وغيرها أيضًا»، أن تتعايش جنبا إلى جنب وفى سلام وتكامل».
وتناول فى هذا الصدد مبادئ قرآنية عدة منها: «الاعتراف بالتوراة والإنجيل ككتب منزلة، وكان تحفظ القرآن الوحيد ما تثبته الوقائع التاريخية والقرائن عن وجود اختلافات، نتيجة لعدم توثيقها عند نزولها إلا بعد ذلك بسنوات عدة سمحت بالخطأ أو النسيان».. ونكمل غدا.
من كتابى "ضد الإسلام"..الطبعة الثانية بتصرف
الجريدة الرسمية