رئيس التحرير
عصام كامل

"جنوب السودان".. حلم الدولة الوليدة يتبدد على مائدة القبلية

عناصر من جيش جنوب
عناصر من جيش جنوب السودان

أنهى وفد الوساطة الأفريقية لوزراء دول" الإيجاد"، جولته الأولى الهادفة لنزع فتيل الحرب الدائرة بجنوب السودان، بين فصائل الجيش الشعبي المناصرة للرئيس سلفاكير، والأخرى المؤيدة للنائب السابق رياك مشار، وكشفت عن بدء لمفاوضات محتملة بين أطراف النزاع خلال أسبوع، في حال موافقة الطرفين، وكذلك عن ترتيبات أخرى للقاء للرئيس سلفاكير ميارديت مع ربيكا قرنق -زوجة الراحل جون قرنق- والتي رحبت بدورها بمهمة الوساطة الأفريقية، وشددت -في نفس الوقت- على مبدأ الحوار كوسيلةً لحل الأزمة الراهنة. 

ويتكون وفد الوساطة الأفريقية لوزراء خارجية دول الإيجاد من دول" إثيوبيا، السودان، كينيا، أوغندا، جيبوتي والصومال" إلى جانب مفوض السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي، والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للسودان وجنوب السودان، وسفراء دول الإيقاد لدى الاتحاد الأفريقي.

وقال بيان لوزارة الخارجية السودانية -اليوم الأحد- إن الوفد التقى أثناء الزيارة –استمرت ثلاثة أيام- بالرئيس سلفاكير وتباحث معه حول سبل علاج الأزمة الراهنة في جنوب السودان بشكل سلمي، وقد لمس الوفد استعدادا كاملا وإشارات إيجابية من الرئيس سلفاكير للحوار غير المشروط مع الطرف الآخر ووقف العدائيات وابتدار حوار سياسي شامل.

ويعول كثير من المراقبين للشأن السوداني وملف دولة الجنوب الوليدة، والتي ما لبثت أن دخلت في صراع غير متوقع ومتسارع على السلطة تحكمه" المصالح الشخصية والقبلية" على حساب الدولة واستقرارها.

ويعتبر المراقبون أن ما حدث في الجنوب مقلق ومثير لمخاوف شتى، لكنهم أكدوا في نفس الوقت، إن ما لم يحدث بعد هو الذي يبعث على القلق والمخاوف بشكل أكثر.

والثابت من الوقائع أن اشتباكات وقعت في معسكرات الحرس الجمهوري، وان انشقاقات حدثت بين وحدات الجيش الشعبي في مدينة جوبا، نتجت عنها معارك عنيفة أخذت طابعًا قبليا بين "الدينكا والنوير"، ولكن المرحلة الأخطر كانت هي معالجة الرئيس سلفاكير للقضية، والذي يبدو أنه استمع لنصائح أقرب مستشاريه واعتبرها فرصة للتخلص من المعارضة السياسية، فجمعهم "بربطة المعلم" وحملهم مسئولية ما حدث، وسماه "انقلابا عسكريا".

لقد نجح سلفا كير خلال فترة وجيزة في أن يحشد ضده أكبر خصومه، ومنهم قيادات في مجلس التحرير مثل "رياك مشار، وباقان، وديق ألور، وربيكا قرنق"، كما أضاف لهم "مجاك أقوت، وقير شوانق" وآخرين، وذلك على الرغم من أن أسباب معارضتهم له تختلف باختلاف مواقفهم، فجعل منهم "رغما عنهم" جبهة معارضة له وموحدة.

وربما لم يفطن سلفاكير أو لم يهتم، بأن بعض هؤلاء المتهمين بمحاولة الانقلاب أنصارا ومؤيدين وسط العسكريين بالجيش الشعبي، ويشكل بالتالي مركز ثقل عسكري كبير وخطير، لكن يملك البعض الآخر – أيضا -نفوذا سياسيا كبيرا، ولهم مؤيدون وسط قواعد الحركة، فوفر سلفاكير-بشكل غير مباشر- لهم التأييد العسكري والسياسي للجبهة الجديدة.

وقد تحفظت الكثير من الجهات، ومنها الأمم المتحدة والحكومات الغربية الكبرى، على قبول فكرة الانقلاب العسكري، وصارت تستخدم عبارات محايدة تتحدث عن الاشتباكات والانشقاقات، وتحذر من الحرب الأهلية، إلا الجامعة العربية، فقد تسرعت منذ اليوم الأول لإدانة الانقلاب العسكري، ووصفته بأنه محاولة لعرقلة تحسين العلاقات مع السودان.

وربما تكون هناك أطراف داخل الحكومة السودانية ترى نفس الرأي، وربما تتخذ نفس المواقف التي ربما يدفع السودان ثمنه في المستقبل.

وتشير تداعيات أحداث جنوب السودان إلى أن سلفاكير لم يحسب غير حساب السيطرة على مدينة جوبا مقر الحكم والرئاسة، وها هي المدن الخارجية تتساقط واحدة تلو الأخرى، وقد تتطور الأمور لحرب أهلية شاملة ينتج عنها وجود أكثر من دولة داخل جنوب السودان.

ويرى المراقبون للمشهد الجنوبي إلى أن هذه الدولة الوليدة لا تزال في مرحلة التكوين والتخلف، ومهددات بقائها واستمرارها كثيرة ومتعددة، الفقر والتخلف وسيادة الروح القبلية وغياب المؤسسات الحديثة، وهي أحوج ما تكون لقيادات ذات بصيرة نافذة وحكمة تتجاوز موقع القيادات ونفوذها لتفكر في مصير الدولة والشعب.

وخلاصة القول.. إن جنوب السودان أمام لحظة تاريخية فارقة وامتحان لقدرة قياداته، إما أن يتجاوزوا، كنخبة مسئولة، البعد القبلي والشخصي، ويديروا خلافاتهم بطريقة سياسية متحضرة، وإما أن يقودوا البلد لمستنقع الصراع القبلي، والذي لن يخرج منه أحد نظيفًا، وسيكون حكمهم في يد التاريخ أنهم أضاعوا الحلم وبددوه على مائدة المصالح القبلية والشخصية.
الجريدة الرسمية