رئيس التحرير
عصام كامل

"عاشور بوراشد" لـ"فيتو": إجراءات تسليم قذاف الدم لم تتوقف.. ونناقش ترتيبات معينة مع مصر

فيتو


  • انفصال ليبيا مرفوض.. والفيدرالية ممكنة بشرط استفتاء الشعب عليها
  • شائعات قطع العلاقات مع مصر تطلقها جهات لا تريد استقرار البلدين
  • هناك 14 ألف ليبى مطلوبون للعدالة ما زالوا خارج السجون
  • نظام القذافى كان "لا نظام".. ولم يكن هناك جيش أو مؤسسات أو حكم
  • محاكمة "قذاف الدم" في القاهرة جنائية وشأن مصرى لا دخل لنا به
  • أصحاب المصالح يحاولون إرباك المشهد وبناء مؤسسات الدولة بحاجة إلى وقت
  • السياسة لن تستطع إفساد العلاقات التاريخية بين الشعبين

أكد السفير "عاشور بوراشد"، مندوب ليبيا لدى جامعة الدول العربية، أن العلاقات بين مصر وليبيا تاريخية ومتجذرة، ومن المستبعد أن تؤول بأي حال إلى "قطع العلاقات فيما بين البلدين".. 

وردًا على الشائعة الأخيرة بقطع العلاقات بين البلدين في أعقاب تبرئة "أحمد قذاف الدم"، منسق العلاقات الليبية المصرية لدى نظام "معمر القذافي"، أكد أن هناك جهات تعمل ولا تريد الاستقرار في العلاقات بين الدول العربية، محذرًا من هذه الجهات ومن الوقوع في مثل هذا الفخ.. وأكد بوراشد في حوار خاص مع "فيتـو" أن ملف تسليم أحمد قذاف الدم وآخرين، مستمر ولم يتوقف ليتم استئنافه في أعقاب حصوله على البراءة مؤخرا، موضحًا أن وزارتي العدل في البلدين تبحثان العديد من الأمور الخاصة بهذا الجانب..

وفيما يخص الأوضاع الداخلية في ليبيا أكد أن ليبيا في طريقها لاستكمال مؤسستها العسكرية والأمنية، وأن هذا الأمر سيكون له مردود مهم على الوضع العام في ليبيا، كما استبعد انفصال ليبيا، موضحًا أن القائلين بذلك لا يفهمون طبيعة وتركيبة الشعب الليبي، مشيرًا إلى إمكانية قيام فيدرالية داخل ليبيا شريطة أن يقام ذلك وفقًا لاستفتاء يوافق فيه الشعب الليبي على ذلك كونه صاحب القرار في هذا الأمر.
وإلى نص الحوار: 

- في البداية قلت قبيل بدء الحوار إن أي حديث عن قطع العلاقات بين مصر وليبيا مستبعد.. فما السبب؟
* بالفعل، ومنذ أن سمعت بخبر قطع العلاقات بين مصر وليبيا، استبعدته، وأكدت ذلك حتى  دون العودة للخارجية الليبية، فطبيعة العلاقات بين البلدين لا تتيح حدوث مثل هذا الأمر، فالعلاقات بين البلدين متجذرة في أعماق كل ليبي ومصري، وغير قابلة للتأويل.

- برأيك من يستفيد من توتير العلاقات بين مصر وليبيا في هذا التوقيت..؟
* هي جهات متعددة لا تريد الاستقرار في العالم العربي كله، ولا تريد استقرار العلاقات فيه، وبالتالي فإن مثل هذه الأخبار هي محاولة لإفساد هذه العلاقات،  لكن علينا نحن أن نكون منتبهين لمثل هذه الممارسات، ولابد أن نكون مستعدين لمواجهة مثل هذه الأمور، حتى لا نقع فيما يرغبون هم في تحقيقه.

- كون الخبر الخاص بقطع العلاقات بين البلدين صدر عن وسيلة إعلام روسية.. هل برأيك ما زالت روسيا غير راضية عن نظام الحكم الجديد في ليبيا.. خاصة أنها كانت تقف إلى جوار نظام القذافي؟
* نحن لا نستطيع القول إن ما يصدر عن روسيا إعلاميًا منسوب لسياسة الدولة، فالإعلام قد يكون لديه هامش من الحرية، ولا يمكن أن نقول هذا هو توجه سياسة روسيا تجاه العالم العربي.. وأنا أستبعد ذلك.

- لكن فيما يخص سياسة روسيا تجاه ليبيا الآن كيف تراها..؟
* نحن في ليبيا حريصون على أن تكون لدينا علاقات جيدة مع الجميع، ونحن من جانبنا حريصون على استمرار العلاقات مع روسيا وغيرها من الدول في إطارها الطبيعي.

- العلاقات المصرية الليبية بعد ثورة 30 يونيو كيف تقيم لنا طبيعة هذه العلاقة خاصة أن هناك بعض الأصوات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا خرجت لتعلن رفضها ما يجري في مصر..؟
* أنا أؤكد أن العلاقات المصرية الليبية استثنائية، وهناك ثوابت تجمع الشعوب العربية وعلاقتهم ببعض، لكن العلاقة المصرية الليبية بها أمور إضافية، فأولا الحدود المشتركة التي تؤكد أن أمننا مشترك، والعلاقة العضوية التي تربط الشعب الليبي والمصري، فالغرب المصري والشرق الليبي يكاد يكون متجانسا، عبر روابط الدم، فالعلاقات بين البلدين متشعبة تمامًا، وتاريخية، لا يمكن قطعها، حتى السياسة أثناء حكم القذافي فشلت في أن تفسد هذه العلاقة بين الشعبين، والدليل أنه عندما أغلقت الحدود ظل التواصل على المستوى الشعبي ما بين المصريين  والليبيين قائما رغم إغلاق الحدود، وهو ما يؤكد أنه حتى السياسة لم تستطع أن تفسد العلاقة بين الشعبين، وهذا ما يؤكد عمقها، وهذا رد على سؤالك أن هناك أفكارًا سياسية هنا أو هناك، فحتى وجهات النظر المختلفة هنا أو هناك فشلت في إفشال أو إفساد العلاقة وذلك للعمق التاريخي لها.

- إذا ترى أن أي فصيل غير قادر على توتير العلاقة بين البلدين..؟
* أي فصيل في أي جانب كان غير قادر على إفساد العلاقات بين مصر وليبيا، فالعلاقة غير قابلة للتغيير ولن تفسدها السياسة.

- خبر قطع العلاقات جاء عقب حكم المحكمة ببراءة "أحمد قذاف الدم" منسق العلاقات المصرية الليبية في عهد القذافي.. ما الموقف الليبي بعد هذا الحكم القضائي.. وهل ستعيدون فتح الملف الخاص بطلب استرداده بعد صدور هذا الحكم القضائي..؟
* الحكم الذي صدر بتبرئة "أحمد قذاف الدم" لا صلة له بطلب التسليم على اعتبار أن القضية المرفوعة الآن هي قضية جنائية تخص الحكومة المصرية بالدرجة الأولى، ولا رابط بين الحكم القضائي الذي صدر وبين طلب تسليمه.. فطلب التسليم ما زال قائما، وهناك إجراءات قانونية تتم بين البلدين لإتمام تسليمه إلا أن الإجراءات قد تأخذ بعض الوقت، وهناك تواصل بين وزارتي العدل المصرية والليبية بشأن تسليمه، هو وآخرون معه، والأمر غير مقتصر على قذاف الدم، أما القضية التي صدر فيها الحكم لا صلة لها بطلب تسليمه، فهي قضية جنائية تخص مصر لأنها وقعت على أراضيها.

- كيف تتعاملون مع مسألة أن قذاف الدم يحمل الجنسية المصرية.. إضافة إلى جنسيته الليبية وحالة التعارض في ذلك بين تسليمه أو عدمه..؟
* هذا هو الجدل القانوني الجاري الآن في إجراءات التسليم، من ضمن الأمور القانونية التي يتم التحدث فيها، فمن المتعارف عليه في عمليات التسليم أن هناك إجراءات تتخذ، وهذا هو الجاري بين البلدين الآن لاستكمال هذه الإجراءات.

- نتابع بقلق الوضع الجاري على الساحة الليبية وخاصة أزمة الميليشيات وغيرها من الأزمات الأخرى.. برأيك لماذا لم تهدأ ليبيا حتى الآن..؟
* من طبيعة المراحل الانتقالية أن يحدث فراغ أمني وهذا رد فعل طبيعي للحدث الخاص بتغير النظام، وبشكل أكبر يبدو في ليبيا لأن التغيير كان هيكليًا بالكامل لم تكن هناك دولة، ولم تكن هناك مؤسسات، وبالتالي فإن حجم الفراغ الأمني كان أكبر في ليبيا عنه في مصر وتونس، رغم أنه جرى فراغ أمني في المنطقة ككل، وما زال هناك فراغ أمني في مصر وتونس، فإنه في ليبيا أكبر وأكثر ظهورًا نظرا لأن النظام السابق كانت سمته العليا هي (اللانظام) فلم يكن هناك جيش، لم تكن هناك مؤسسات دولة، وحكم، وبالتالي فقد أفرز هذا التغيير مجموعة من الكتائب المسلحة على الأرض، وأصبح التخلص منها يحتاج إلى وقت لأن هذا يستلزم بناء الجيش والمؤسسة الأمنية لكي تستبدل بهذه الميليشيات التي قامت بالحماية في البداية، لكن المسار الآن ينبئ بأن الأمر لن يطول لأنه بالفعل بدأت مجموعة كبيرة من هذه الكتائب بالانضمام كأفراد للجيش أو للمؤسسة الأمنية، وأصبح التوجه العام للشعب الليبي رافضا الكتائب، وقد تكونوا  تابعتم خروج الشعب الليبي في طرابلس رافضا الكتائب، وقبلها خرج الليبيون في "بني غازي" رافضين حمل السلاح خارج إطار الدولة.

- إذًا ترون أن الوضع في ليبيا يسير نحو الاستقرار..؟
* بالتأكيد؛ وهذا ما يؤكده المناخ العام في ليبيا، فالشعب يرفض وجود سلاح خارج إطار مشروعية الدولة، والدولة ذاهبة في هذا الاتجاه، لكننا نحتاج وقتًا لتبنى المؤسسة العسكرية بشكل صحيح، لأنها بدأت من الصفر، وهذا هو الفارق في المنطقة، فليبيا لم يكن لديها جيش وهي تبدأ الآن في هذا المسار نحو بناء مؤسستها الأمنية.

- لكن هل هناك أيضًا قوى تعمل على إرباك المشهد في ليبيا كما يقال..؟
* أكيد هناك أصحاب مصالح، وقد يكون هناك من لا يرغب في بناء المؤسسة العسكرية وهناك اعتقاد ورأي بأن تبنى بشكل آخر مختلف عن الإطار التقليدي وهم مجموعة موجودة على الأرض، أيضًا حدث نتيجة الثورة أن أفرغت السجون من أرباب السوابق والمساجين، وهو عدد كبير جدا، نحو 18 ألفًا لم يسترجع منهم إلا 4 آلاف، وبالتالي هناك 14 ألفًا مطلوبون للعدالة، ما زالوا خارج السجون وهم بالتأكيد  أصحاب مصلحة في عدم استقرار المؤسسة الأمنية؛ لأن استقرارها يعني عودتهم مجددًا إلى السجون، وهذه المجموعات لا ترغب في بناء الدولة بشكل صحيح.. هذا إلى جانب أتباع النظام السابق والذين قد يكون لهم دور في إرباك المشهد الأمني، كرد فعل طبيعي لضياع السلطة والجاه الذي كانوا يعيشون فيه.

- البعض يتهم الحكومة الليبية أيضًا بعض الوقت بالتردد وبالضعف في أوقات كثيرة..؟
* أعتقد أن هذه الجزئية هي قراءة خاطئة للحدث، فالتغييرات التي جرت في المنطقة هي تغييرات شبه هيكلية، من نظام إلى نظام ومن رؤية إلى أخرى، وبالتالي فإن هذا التغيير يستلزم وقتًا لبناء الدولة بالرؤية الجديدة بناء مؤسسي، والإشكالية التي جرت في هذه المنطقة، وليس ليبيا وحدها، هو أن الإعلام للأسف تبنى التغيير واعتبره سلطة موازية للنظام السابق، وهو الأمر الذي تسبب في إشكالية كبرى لدى المواطن، لأنه أصبح يتساءل عن انعكاس هذا التغيير على مستواه المعيشي، وبالطبع فإن هذا الأمر لم يحدث، ولن يحدث لأنه يحتاج إلى وقت، وهنا حدثت حالة الإرباك لدى المواطن، وأرى أن الإعلام لم ينتبه إلى أن هذا التغيير والانتقال للمرحلة الجديدة بحاجة لوقت.
وبالطبع المواطن له استحقاقات مشروعة، لكن الإشكالية في توقيتها، فالسلطات القائمة بعد التغيير هي سلطات انتقالية تؤسس للدولة بسلطة جديدة، لبناء فكر جديد ودولة جديدة تحفظ كرامة المواطن ليعيش بأمان، وما أغفل في ذلك هو فكرة الوقت، وللأسف الإعلام لم يقرأ النظام الجديد على حقيقته وأنه لا يتعدى كونه سلطة انتقالية، مكلفة ببناء المؤسسة الجديدة للدولة.

- لكن في النهاية المواطن يبحث عن استحقاقاته الآنية.. فمثلا "ليبيا البترول" يعاني مواطنوها من أزمة نقص البنزين..؟
* هي استحقاقات كلها مشروعة، في ليبيا وغيرها من الدول، سواء في مصر أو تونس وغيرها، المواطن يبحث عن كرامته وأمنه وتحسن مستواه المعيشي.
ما حدث جرى نجاح سياسي بامتياز في هذه المنطقة، لكنه لم يواكبه نجاح على المستوى المعيشي، وهذا أمر طبيعي لأن الفكرة أن المرحلة الانتقالية من المفروض أن تقرأ، عبر بناء هو بحاجة لوقت، الإشكالية ربطت بين استحقاقات المواطن واستحقاقات الدولة.

- الأزمة الكبرى التي تحدث حالة من التخوف على مستقبل ليبيا تتمثل في الحديث بين حين وآخر عن تقسيم ليبيا.. أو عن فيدرالية وغير ذلك فهل ليبيا ذاهبة للتقسيم..؟
* من يقول بالتقسيم لا يعرف حقيقة الخريطة الاجتماعية في ليبيا، فعملية الفصل غير قائمة على الإطلاق، أما عملية المناداة بالفيدرالية في المنطقة الشرقية فهى أمر لا بأس به لكن أن تكون فئة معينة هي التي تطالب بالفيدرالية، فهذا الأسلوب مرفوض جملة وتفصيلا، يمكن جدا حدوث فيدرالية إذا كان ذلك بموافقة الشعب الليبي، الذي وحده يقرر قيام نظام فيدرالي في الشرق أو الغرب، لكن عن طريق الاستفتاء عليه، وإذا اختاره الشعب الليبي كطريقة من طرق الحكم فلا بأس، لكن في ليبيا من الصعب الحديث عن انفصال نظرا للتركيبة الاجتماعية المتشابكة بين نسيج الشعب الليبي.
الجريدة الرسمية