الثورة السورية تأكل أبناءها قبل اكتمالها..الائتلاف المعارض تحول إلى «مقبرة» لشخصيات بارزة..المال القطري وجماعة الإخوان والأهواء الشخصية أبرز أسباب انطفاء المقاومة.. اختفاء «غليون»
ثلاثة أعوام مرت على اندلاع الثورة السورية، التي بدأت بحراك شعبي، ينادي بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ومع دخول دول إقليمية على خط الثورة، وتحويلها من انتفاضة سلمية إلى حرب مذهبية بين الشيعة والسنة، وظهور ميليشيات القاعدة وجبهة النصرة التي عبرت البلاد من العراق، وقابلها قدوم مليشيات شيعية أتت من إيران ولبنان والعراق واليمن وتمثلت في حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيرانى ولواء الفضل أبو العباس العراقي وحوثيين اليمن.
ودخلت سوريا في دوامة الحرب الطائفية، ومثلما قضى هذا العراك المذهبي على مطالب الشعب الثوري، أدى ذلك إلى اختفاء وجوه سياسية من الساحة السورية، وتحول الصراع إلى عقائدي بامتياز.
ويأتى على رأس الوجوه المختفية، على صدر الدين البيانونى، المراقب العام السابق لجماعة الإخوان بسوريا، والمعروف بتاريخه المعارض للنظام والذي اختار الحياة بلندن للهرب من قبضة النظام الأمنية، ويعد من أوائل الرموز السياسية التي قامت بحراك سياسي معارض لبشار الأسد، بتأسيسه جبهة معارضة عرفت باسم «جبهة الخلاص»، وكان من أبرز الوجوه التي انضمت لها عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري الأسبق.
ويعد عبدالحليم خدام، أبرز وجوه الحرس القديم في النظام السوري، والذي كان مرافقًا للرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، ويلقب بمهندس الاغتيالات في لبنان، وكان من أول الوجوه التي قفزت من مركب بشار، وهاجر للإقامة بالعاصمة الفرنسية «باريس» وتحول موقفه من ذراع يمنى للنظام، إلى معارض شرس، وسارع بالانضمام لـ«جبهة الخلاص» ودخل في تحالف مع جماعة الإخوان بهدف التخلص من بشار الأسد، ومع الوقت اختفى من المشهد السياسي، كما تلاشت جبهته والتي لم يعد لها ذكر حقيقى داخل عجلة الحرب الدائرة بسوريا الآن.
الضابط السوري، محمد زهير الصديق، والذي أعلن انشقاقه عن الجيش السوري، عقب اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق، وأشارت علامات الاتهام إلى الرئيس السوري، بشار الأسد في التورط بمقتله، وأعلن الضابط المنشق زهير الصديق، امتلاكه أدلة تثبت تورط الأسد، في واقعة اغتيال الحريري، وكان هدف لجميع وسائل الإعلام وظل متنقلًا بين فرنسا وتركيا وعدد من الدول الأخرى، خشية تعرضه للاغتيال وعُرف بمعارضته للنظام السوري، ولم يعد له ذكر الآن على الصعيد السياسي أو العسكري، ولا يملك أحد معلومات حول مكان تواجده أو إقامته.
خلال الإرهاصات السياسية الأولى للائتلاف السوري المعارض، التفت الإعلام العربي والدولى إلى شخصية الدكتور برهان غليون، الأستاذ بجماعة السربون الفرنسية والذي نظر له الجميع على أنه طوق النجاة من غرق الائتلاف بدوامة الخلافات، وبمرور الوقت تلاشي دور الرجل، ولم يعد له ذكر، وعاد إلى التقوقع بالعاصمة الفرنسية، بعد نجاح الإخوان في استخدامه كخبير تجميل للائتلاف، في ظل تصاعد وتيرة الخلافات التي تسبب بها أعضاء الجماعة داخل الائتلاف المعارض.
يعد مأمون الحمصى المحامى السوري وأبرز وجوه المعارضة، والذي نجح في الوصول إلى مقعد برلماني في ظل حكم الأسد، وأعلن خروجه من رحم النظام والتمرد عليه مع الإرهاصات الأولى للثورة، وانتقل إلى العيش بالقاهرة، وظل لفترة طويلة صاحب حضور قوي بالمشهد الإعلامي والسياسي، وعقب تشكيل الائتلاف السوري لم يلتفت أحد إلى دور الرجل، وتم استبعاده من التشكيل، وانقطعت خيوط التواصل بينه وبين باقى أطياف المعارضة، وترك العاصمة المصرية، وانتقل إلى كندا، واكتفى الآن بالتنظير السياسي للأحداث وتحول من الهجوم على النظام إلى المعارضة التي وصفها بـ«الفاشلة».
يعد هيثم المالح، من أبرز وجوه المعارضة للنظام السوري، ومن أخلص الساسة لسوريا، فهذا العجوز الذي ذاق ويلات سجون بشار، وتبنى الدفاع عن ملف حقوق الإنسان بالداخل السوري، منذ عقود مضت، ونجح رغم شيخوخته في فضح العديد من جرائم النظام، وانتقل إلى العيش بالقاهرة عقب اندلاع الثورة، وينظر له الكثير على أنه «أيقونة» لهذا الحراك السياسي، لكن في ظل الصراعات الطائفية والمصالح الإقليمية، لم يلق الرجل من يقدره، وبات لديه شعور بأنه مُستخدم من قبل بعض الرموز التي تهرول خلف المال القطري، ورغم ظهوره على استحياء من حين لآخر، لم يعد له الوجود الكافى على الساحة السياسية.
قائمة الوجوه المختفية طويلة، وربما يصعب ذكرها وسردها خلال هذا التقرير الموجز الذي أردنا من خلاله، التأكيد على أن الثورة السورية التي انزلقت إلى معترك العنف الطائفى، وباتت المصالح والأهواء تتحكم في من يتحدث باسمها، أصبحت مفرمة لوجوه سياسية وشخصيات بارزة، كان لها بالغ الأثر في إلقاء حجر ببركة المياه السياسية الراكدة منذ عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والملفت في الأمر أن الائتلاف السوري المعارض تحول إلى مقبرة للوجوه والشخصيات السياسية البارزة، مثلما حدث مع برهان غليون، والشيخ أحمد معاذ الخطيب وقائمة طويلة من الأسماء.