أدباء "العشرينيات" يناقشون أزمة "مستقبل" اللغة العربية
عندما يجتمع نخبة وصفوة من الكتاب والشعراء والمفكرين للحديث عن مستقبل اللغة العربية والمشكلات التي تواجهها في ظل التطورات السياسية للمجتمع العربى، بل يطرحون بعض الحلول للحفاظ على "لغة الضاد" وهويتها، فإننا بصدد الحديث عن واحد من أهم كتب العصر وهو "فتاوى كبار الكتاب والأدباء في مستقبل اللغة العربية".
الكتاب صدر في طبعته الأولى عن منشورات دار "الهلال" في مصر في العشرينيات من القرن الماضي، حيث وجهت سؤالًا لأهم وأبرز الكتاب عن "مستقبل اللغة العربية" وجمعت إجاباتهم في هذا الكتاب.
مؤخرًا أعادت وزارة الثقافة والفنون والتراث بقطر، طباعة الكتاب ونشره وتوزيعه مع مجلة الدوحة الصادرة عن الوزارة، يقدمه دكتور سعيد بنكراد، ويضم الكتاب آراء مجموعة من أهم كتاب العرب في مستقبل اللغة العربية ومنهم "جبران خليل جبران، وخليل مطران، ومصطفى صادق الرافعى، وأنطوان خليل، وأمين واصف بيك، ونقولا الحداد، وإبراهيم حلمى العمر.. وغيرهم".
ويرى بنكراد في مقدمته أن هناك إجماعًا على تراجع اللغة العربية وتخليها عن مواقعها في الحياة العامة وأنها أخرجت من الشارع والمنزل والحوار اليومى، كما أنها أصبحت هامشية في مجالات مركزية كالإعلام، مشددا على أن التهليج المستمر للغة العربية وانسحاب الفصحى لتحل محلها العامية، يقلص من الطاقة التعبيرية التي تتوافر عليها العربية في طابعها الأدبى الراقى ويشوش على المعاجم العلمية.
وتناول بنكراد في مقدمته جانبًا مهما تطرق إليه أغلب الكتاب والمفكرين الذين تنبأوا بمستقبل اللغة العربية بالكتاب، حيث اجتمع أغلبهم على أن التدخل الأجنبى في البلاد العربية على مر العصور حد من سلطان "العربية" فكلما ازدادت المخططات ازداد تدهور أحوال اللغة، كما أن السيطرة السياسية والاقتصادية لشعوب تتحدث لغات أخرى أدى إلى تبعيتنا لهم، وبالتالى ازدهار لغتهم على حساب لغتنا العربية التي بدأت في الاندثار، في إشارة إلى أنه لا سبيل لاستعادة مكانتها إلا بالازدهار السياسي والثقافى للشعوب المتحدثة بها.
وإذا تطرقنا إلى نظرة كبار الكتاب في مستقبل اللغة العربية سنجد مصطفى صادق الرافعى، الشاعر والأديب، يبشرنا بأن لغتنا العربية تمتاز عن كل اللغات الأخرى بأنها لغة القرآن الكريم والحديث، مما يؤكد عدم اندثارها لأنها والقرآن على وجه واحد حتى آخر الدهر، قائلا: "اللغة لا سبيل عليها كما أن الدين لا سبيل عليه"، مشيرا إلى أن هذا الأمر يهون الخطب إذا ضعفت مادام كل انقلاب اجتماعى فينا لا على هذا الأصل "القرآن".
ورغم نظرية الرافعى في حفظ اللغة العربية فإنه حاول استنهاض الأمة للحفاظ على اللغة، مشيرا إلى أن للغة وجهًا سياسيًا أيضًا فإذا نهض العرب نهضت لغتهم، واضعًا شرطًا بأن تدرس كل العلوم باللغة العربية وإنشاء مجمع علمى للعرب في مصر، وشدد على إيجاب حفظ القرآن على المسلمين للحفاظ على لغته.
أما جبران خليل جبران، نابغة المهجر، فيرى أن مستقبل اللغة العربية يتوقف على مستقبل الفكر المبدع الكائن في مجموع الأمم التي تتكلم بها، مطالبا بأن يعم انتشارها في المدارس العليا، ولم يعترض جبران على انتشار اللهجة العامية في المجتمعات العربية، موضحًا أن في اللهجات العامية الشىء الكثير من الأنسب الذي سيبقى ويلتحم بجسم اللغة ويصير جزءًا من مجموعها، مشيرا إلى وجود مظاهر أدبية فنية باللهجة العامية لا تخلو من الجميل والمرغوب والمبتكر.
وننتقل إلى أنطوان الجميل، منشئ الزهور، الذي يرى أن مستقبل اللغة العربية مرتبط ارتباطا وثيقا بالمستقبل السياسي والعمرانى للأقوام الذين يتكلمون بها، وأنه لا قيام للغة العربية إلا بقيام دولة تؤيدها، وأشاد بفضل السوريين واللبنانيين المهاجرين إلى الأمريكتين والعالم الجديد على قدرتهم على الاحتفاظ بلغتهم وإصدار الجرائد والمجلات الأدبية باللغة العربية في هذا العالم.
وكان الاستقلال وحرية الفكر هما أساس ما تحدث عنه نقولا الحداد الكاتب الاجتماعى، حيث يرى أن مستقبل اللغة العربية متوقف على ما يناله الناطقون بها من القومية وحرية الفكر، في إشارة منه إلى أن التمدن الأوربي سيقضى على اللغة بما تستلزمه المعانى والمستجدات في الاختراعات والابتكارات من نحت الألفاظ اللائقة باللغة العربية للتعبير عنها.
ويعقد أمين واصف بك، صاحب التآليف الأدبية والفلسفية، الأمل على الشباب النشيط الذين يعملون على نقل الأدب الغربى إلى العربية أمثال شكرى، والمازنى، والسباعى، مشيرًا إلى أن هؤلاء الكتاب دافعة كبيرة في سبيل الحفاظ على اللغة العربية، كما يرى أن لمستقبل اللغة العربية طريقًا واضحًا وهو انتشار المطابع والجرائد والمجلات التي ترقى باللغة العربية، إلى جانب نمو الشعور العام بالمصلحة القومية.