على الأزهر أن يعترف !
هل تحول الأزهر بالفعل إلي بؤرة لجماعة الإخوان؟ سؤال يستحق البحث بعيدا عن الدفاعات التقليدية التي تقسم مائة يمين علي أن الأزهر الشريف هو منبر الإسلام الوسطي الذي لا يقصي ولا يكَفر ولا يحجر علي رأي أو فكر.
كان الأزهر – وياما كان – قبلة لطلاب العلم الشرعي في العالم كله، وملاذا للمصريين المقهورين المستعبدين من حكامهم الفراعين، ومنصة تنطلق منها ثورات المصريين ضد الأجنبي الذي احتل أرضنا عقودا طويلة، لكن جرت في النهر مياه كثيرة، تبدلت الأحوال وأصبح شيخ الأزهر واحدا ممن يرضي عنهم الحاكم فيتفضل بتعيينه بعد أن يطمئن إلي التقارير الأمنية التي تحصي عليه أنفاسه، وعلي ذلك صارت المؤسسة الدينية العريقة أداة طيعة في يد النظام – أي نظام – يستخدمها كيفما شاء، بدءا من حث الناس علي تنظيم الأسرة وتحليل فوائد البنوك، ومرورا بتأديب بعض الكتاب والمفكرين عن طريق مصادرة كتبهم، ووصولا إلي مهمة التصدي لأعداء النظام من المتطرفين والإرهابيين !
أذكر أنني كنت أعد تحقيقا صحفيا عن الجماعات الدينية في صعيد مصر، كان ذلك في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، في ذلك الوقت كانت الجماعة الإسلامية تسيطر علي الكثير من مساجد الصعيد، وقررت قيادات الجماعة إقامة مناظرة بينهم وبين الدكتور محمد سيد طنطاوي – مفتي الجمهورية حينئذ – ووافق الرجل بالفعل، وأقيمت المناظرة في أحد مساجد مدينة المنيا، كان ممثل الجماعة الإسلامية هو صفوت عبدالغني – عضو مجلس شوري الجماعة الإسلامية حاليا – وقد تمكن من إلحاق هزيمة ساحقة بخصمه في المناظرة الدكتور طنطاوي رحمه الله فيما يخص حتمية تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية أو ما يسمي بقضية الحاكمية، ووصل الأمر بالدكتور طنطاوي إلي أن يقول علي الملأ " اللي إيده في الميه مش زي اللي إيده في النار " !!
وفي سياق التحقيق الصحفي الذي كنت أكتبه، التقيت القيادي في الجماعة أسامة حافظ في منزله بمدينة المنيا، وطلبت منه شريط الفيديو الذي يحوي المناظرة مع المفتي، فطلب مني الانتظار عدة أيام قبل أن أحصل علي الشريط الذي يطوف به الإخوة عدة قري ليعرضوه علي الناس هناك، ولكم أن تتخيلوا ما يمكن أن يحققه شريط كهذا من مكاسب للجماعة المتطرفة، ومن سخط علي مفتي الجمهورية الذي صار بعد ذلك بسنوات شيخا للأزهر !
تحول الأزهر ورجاله علي يد الأنظمة المتعاقبة - وعلي الأخص نظام حسني مبارك - إلي مؤسسة حكومية، يحركها الحزب الحاكم وتأتمر بأمره، وهي لذلك لم تسلم من سخرية المصريين اللاذعة، وانتشرت في التسعينيات نكتة تقول إن أحد مشايخ الأزهر دٌعي إلي ندوة عن عدد سكان مصر، فطلب المسئول الحكومي ليستفسر منه عن موقفه من تنظيم الأسرة، هل يريده حلالا أم حراما، لكي يتمكن الشيخ من إعداد كلمته !
من هنا فقد الأزهر ثقة قطاع كبير من المصريين، أدار الناس ظهروهم للمؤسسة العريقة، والتقطت جماعة الإخوان المسلمين الخيط، صدرت رجالها ومشايخها ودعاتها ليكونوا البديل الشعبي لعلماء السلطان من مشايخ الأزهر، وعملت كوادرها علي تجنيد آلاف الطلاب في كل الجامعات المصرية، وعلي رأسها بالطبع جامعة الأزهر، وساهمت الأجهزة الأمنية – دون أن تقصد – في الترويج لهذه الجماعة عندما كانت مباحث أمن الدولة تستبعد طلاب الإخوان من انتخابات الاتحادات الطلابية فتحولهم إلي أبطال !
وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، حصل هؤلاء المطاردون المستبعدون علي حريتهم في الحركة والعمل وسط الطلاب، لذلك كان من الطبيعي أن يحولوا جامعات مصر إلي ساحة للشغب والتخريب عقب الإطاحة بالرئيس المعزول من منصبه، وتأتي جامعة الأزهر في مقدمة الجامعات التي تكتوي الآن بنارهم، طلابا وأساتذة، وأعتقد أنها لن تتمكن قريبا من الدخول في مواجهة حاسمة مع أبنائها المتمردين ما دامت تتمسك بسياسة الإنكار، وتسخر جهودها لتدفع عن نفسها تهمة تحولها إلي بؤرة للجماعة الإرهابية، بداية مواجهة أي مشكلة هي الاعتراف بوجود تلك المشكلة، وعلي الأزهر – مشيخة وجامعة - إذا أراد البحث عن حل أن يعترف بأنه - لأسباب عديدة - أصبح مخترقا، وتحول بالفعل الي بؤرة لهذه الجماعة الشاذة، ولأبنائها المهووسين !