رئيس التحرير
عصام كامل

نعم لحرق البقرات المقدسة


في خضم الاستعدادات للاستفتاء على دستور 2013 أو التعديلات الدستورية على دستور 2012، أيا كانت المسميات التي ستطلق على وثيقة الدستور الجديد، المهم المشاركة الواسعة التي تعيد للمصريين جزءا من التوحد المفقود، بعد أن تقطعت بهم السبل بفعل حالة الاستقطاب الحادة التي خلقها صعود الإخوان إلى سدة الحكم قبل انهيارهم في 30 يونيو الماضي.


وبغض النظر عن التوقعات التي أطلقها السيد عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور عن كون نسبة التصويت بنعم ستكون أكثر من 70%، فإن الأكثر أهمية هو أن تترجم "نعم" التي ستتلقفها صناديق الاقتراع إلى واقع عملي يخرج المجتمع من الأزمات المتراكمة على مدى عشرات السنوات، وألا تتحول "نعم" إلى تفويض لاستمراء البعض في الجلوس على المقاعد الوثيرة، في سلطة مغرية بالفساد.

سنقول "نعم" و "نعمين ثلاثة أربع خمس نعمات" للدستور، غير أن "النعمات" وحدها لا تكفي لإخراجنا من حالة التخلف وانتشار الفقر والجهل والمرض في شوارعنا وحوارينا، فنعم التي نريدها لابد وأن تكون للقضاء على كل الأمراض التي أريد لها أن تتوطن في بلادنا، وأن يبقى شعبنا حاملها فوق كاهله أبد الدهر رغم أنها ليست قدرا، بقدر ما هي من صنع البشر.

وبالضرورة فإن الخروج من الواقع المزري الذي وصلنا إليه سيحتاج إلى وجوه وعقول جديدة أكثر قدرة ومسئولية في التعامل مع نوائب الدهر التي حطت على أم رؤوسنا، وأن يتولى أمرنا من هم أكثر شبابا وحيوية، فلا نريد أن تحكمنا وزارات ما قبل ثورة 1919، ولا أن يتناوب على تولى المناصب من دخلوا في مرحلة الخرف، ويعانون الزهايمر، ولا يفرقون بين أمس وأمس الأول، باعتبارهما غدا.

نريد التخلص من بقرات مقدسة لا تزال، رغم تخطيها سنوات ما بعد الشيخوخة، تطل علينا باعتبارها خبرات لم يجد الزمان بغيرها، وكفى أنها قتلت في طريقها فرصة ثلاثة أجيال على الأقل في تولى قيادة سفينة الوطن التي تسببوا بقيادتهم الفاشلة في شحوطها، وبقائها في منطقة من الصخور والرمال التي تهدد بإعطابها وإخراجها من الخدمة.

نريد أن يتولى جيل جديد القيادة، جيل شاب بحق لا يلتف على فرصته عواجيز السياسة والوجوه التي مللنا طلتها، لأن "الشعب يريد عفشا ومتاعا جديدا كلية"، لا نريد ترقيعا، ويكفينا ثلاث سنوات من التخبط تضاف إلى ثلاثين عاما جرفت قدرتنا على مسايرة العصر الذي بتنا مهددين بالخروج منه.

لا نريد لأحد أن يخرج علينا بالأسطوانة المشروخة عن الخبرات "ودهن العتاقي" الذي تسبب في تصلب شراييننا وإصابتنا بأمراض القلب، وكفى هؤلاء كل الفرص التي أعطيت لهم، واثبتوا جدارتهم في إضاعتها وهم يتحججون تارة بقلة الموارد وأخرى بزيادة السكان، وثالثة ما أنزل الله بها من سلطان.

أعطوا الشباب ما دون الأربعين كامل الحق في فرص مماثلة لجيل جثم على أنفاس الوطن لأكثر من أربعة عقود، فيما رموزه أعجز من التعامل مع المصائب التي صنعتها أيديهم .. لقد أثبت جيل ما قبل الأربعينيات فشلا منقطع النظير في إدارة الدفة، وحان وقت تقاعده الجبري.. باختصار نريد العيش في كنف أصحاب الشعر الأسود.
الجريدة الرسمية