رئيس التحرير
عصام كامل

عندما تفقد القدرة على النطق


المأساة الحقيقية هى موت الحلم داخل الإنسان وهو حي.. والأكثر مأساة هى فقد قدرته على النطق حيث لا يجيد التعبير ولا الكلام.. فعندما تفقد قدرتك على النطق تكتشف أنه لا يشعر بك أحد عندما كنت تتكلم فهل يشعرون بك وأنت فاقد للنطق؟!

يقولون الأيام تحنو بالنسيان وتسكن الآلام وتبرئ الجراح.. وأقول لكم بل توسع الجراح وتزيد الآلام وتذكي لهيب الحنين وتوقد النيران في الأعماق وعندها تفقد القدرة على النطق.

عندما تحتاج كما لم تحتاج من قبل وتتمنى أن تحظى بلحظة دفء وحنان وأن تلفظ آخر أنفاس ألمك وقهرك وربما آخر أنفاسك ولا تجد طيفك تفقد القدرة على النطق.

عندما تكتشف أن الحياة سجن سعادتك وتجد من كان مسجونا أصبح هو السجان وتشعر بعد كل لحظة بالإصرار على الهدم دون رحمة ويهضم حقك فقط في ربع فرصة لإثبات جدارتك ويقابلك الرفض من كل اتجاه وغيرك يتاح له العديد من الفرص ويثبت خيانته ويتم إعطاء المبررات له وأنت كل ذنبك انك تحاول أن تعيش سعيدا ويساء بك الظنون تفقد القدرة على النطق.

عندما تفقد شهيتك للانخراط في الحياة بعد خذلان.. وعندما لا تجد أحدا ينظر لدموعك ولا أحدا يراعي أحزانك وآلامك وتُعير بها.. عندما يبحثون عن ألف سبب لحبك ويبحثون ويتصيدون لك خطأ واحد لهجرك وكرهك تفقد القدرة على النطق.

عندما تحلم أن تعيش تجربة أصدق بل أعمق وتظل تدفع عنك جيوش القلق ثم تقترب وتجد الأميال تتباعد وتفترق حولك الطرق وتحارب الظروف وتتخطى العواقب وتنجح.. عندما تقترب من لحظة إثبات جدارتك ونجاحك وترى أحب وأقرب الناس إليك بعد أن كنت كل شىء أصبحت لا شىء.. وتجدهم يلفظونك ويؤلمونك ويتخيلون بك أبشع الصفات.. تفقد القدرة على النطق.

عندما تتوكأ على حلم ويخرج من حياتك أجمل ما فيها ولا تجد غير الكره والاستهانة والتضحية بك.. ومن لا يعرفك يكرهك ويدبر لك لهدمك ولا تجد من يدافع أو يحاول الدفاع عنك.. فإنك تفقد القدرة على النطق.

عندما تزداد الوحدة والألم والأوجاع وتمشي وسط الزحام وتشعر أنك تمشي وحيدا في فراغ.. وعندما تكيل لك الاتهامات من أجل الاتهام.. ويتم لومك من أجل اللوم.. ويتم رفضك من أجل الرفض.

عندما تجد لحظة قرب واهتمام تعقبها لحظات لا مبالاة وعندما تبحث أو تخلق لنفسك فرصة في هذه الحياة لتنجح وتثبت جدارتك.. وعندما تحاول أن تشعر بإنسانيتك وتطورها.. وعندما تدعو الله بما في قلبك.. وتجد من يلومك على الدعاء وعن بحثك عن نفسك فقط لتكون إنسانا جيدا.. هنا تفقد القدرة على النطق.

عندما يتم سؤالك عن الحب وتكون إجابتك الحب هو ثمرة توفيق إلهي وليس اجتهادا شخصيا.. وأن ترى الجمال النفسي في شخص من تحب وتجد تجسيدا لمعنى ما جمعه الله لا يفرقه إنسان و"خلقنا لكم من أنفسكم أزواجا" وعندما تشعر بقيمة هذا الشخص ليس فقط لك ولكن للإنسانية كلها.. وأن تطهر هذا الحب بدمع من قلبك قبل عينيك ليظل هذا الحب طاهرا وخالدا ولا يرى جميلا فيك لا من تحب ولا حتى البشر.. عندها تفقد القدرة على النطق.

عندما تسأل نفسك ما جدوى هذه الحياة من غير قلب يخفق لك أو لانتصاراتك.. عندما يكون الألم أصم والحنين أخرس والشوق لا يرى وأصدق ما أشعر به أصعب من أن يروى.

اعذروني عندما تعرفون أني قد فقدت القدرة على النطق.
الجريدة الرسمية